قصة نجاح واقعية: طموح وكلمة
تمّت كتابة هذا المقال بواسطة سلمى أحمد محمد هواش من الأردن.
قوطعتُ في كلامي كثيرًا، عندما كان كلامًا مهمًا عن شيء يزعجني أحتاج فيه لحل ما...
ربما كان الحلّ بفهم ما أقول، أو بالاستماع إليه على الأقل، شعرتُ منذ طفولتي بأنني عاجزة...عاجزة عن تحقيق ما أصبو إليه، فكل شيء يؤجَّلُ إلى حينٍ أصبح فيه أكبر، وكنتُ دائمًا أخاف تلك الفكرة، ولأن لا أحد يستمع جيدًا أو يعرف ما في داخلي معرفة جيدة قررتُ أن أقسو، أن أصبح أكثر صلابة ..
أن أهمل ذلك الجانب النفسي والشعوري المزعج، وأن أمضي وحدي...لم يكن لدي عدد كبير من الصديقات ولم أكن أحتاج ذلك، أكملتُ وحدي عزمتُ على تحقيق درجاتٍ أعلى...
منذ أن كنت في الحادية عشرة من العمر تكلمتُ للجميع عن ذلك...وكانوا يعلمون كم باءت محاولتي بالفشل في العاشرة من عمري، كيف كنتُ أخفق في تحصيلي ولا أحصل على ما أريد، تحديّتُ ذلك الأمر، واستطعت أن أرفع تحصيلي من جيد إلى ممتاز...أكملتُ على هذا النحو، وأصبحتُ أكثر اعتمادًا على نفسي، إن أخفقتُ لا أيأس من تكرار المحاولة في العام الذي يليه، لم أحصل على ما أريد، ولكنني كنت راضية وسعيدة بما أحصل عليه، لم أكن أقارن نفسي بأي أحد، وقلت في نفسي : "تلك قدرات"...
رغبتُ في الكتابة منذ الثالثة عشر من العمر، وجدتُ تشجيعًا وفخرًا من والديَّ، لكنني مع مرور الوقت شعرتُ بأنني لم أحقق شيئًا حقيقيًّا بعد، بدأتُ بجمع (العيديات) منذ الثالثة عشر من العمر لطباعة كتابي الأول...ومضى عليها وقت طويل... حتى كثرت مع مرور الأعياد، وكنتُ في كل عامٍ أحاول أن أصل، وصلتُ إلى السادسة عشر من العمر، كنت بسيطة جدًا، ولم أشعر بتميز، وشعرتُ في لحظةٍ بأنني عاجزة تمامًا، خاصة وأن هناك الكثير من الكُتّاب الصغار الذين نشروا عملهم الأدبي الأول، بدأتُ أشعر بإحباط بعض الشيء، وكنتُ متعلقة بوالديَّ كثيرًا ، أحبهما ولا أرغب في إزعاجهما بشيء...رغبات والديَّ تختلف عن رغباتي وميولهم تختلف تمامًا هي الأخرى، إنّها بعيدة كلّ البعد عن الكتابة أو ما شابه...
كان ذلك يقيدني كثيرًا، كنتُ أحتاج إلى القليل فقط من التفهم، آثرتُ الصمت والكتمان في داخلي وابتلاع ما لا يمكن ابتلاعه والسكوت عنه وكنتُ أتجاوز الكثير ممّا يزعجني بلا أدنى شكوى، أحاول إسعاد نفسي، أضحك عاليًا على أمور بسيطة أحيانًا ...
وأصمتُ طويلًا في الجلسات العائلية وأكتفي بالاستماع حتى قيل لي في إحدى المرات : "أين ذهب لسانكِ؟" .. اضطررتُ إلى المجاملة أيضًا والابتسام!! .. في نهاية السادسة عشر، بدأتُ بهمة أكتب نصوصًا جديدة، وكنت سعيدة جدًا بذلك، وواثقة بأنني سأنشر عملي الأدبي الأول وأنا في السادسة عشرة، أخبرتُ والديَّ بذلك ولم يأخذا الأمر على محمل الجد أيضًا، لكنني سعدتُ بابتسامة أمي لي عندما أخبرتها بذلك ...رغم أنها قالت لي هي الأخرى: "لا تزالين صغيرة، ربما في وقت لاحق..."
ثم لم أشعر بشيء بعد تلك العبارة سوى بالرغبة العارمة في التوقف عما أفعله... وتأجيل ذلك حتى وقت لاحق .. لكنني لم أفعل. بقيتُ مصرّة على الأمر .. كتبتُ خمسين صفحة .. بلغة قوية وألفاظ جيدة وكنتُ سعيدة بذلك... عملتُ بالسر وبحثتُ عن دار نشر قبل انتهائي من الكتابة حتى أتعرف إلى كيفية النشر... وجدتُ واحدة لكنني وصلتُ متأخرة، شعرتُ بأن الأمر صعب بعد كل ذلك التقييد الذي مررتُ به ...
أغلقتُ هاتفي ونهضتُ... مرّت الأيام وتبقى القليل على انتهاء عطلتي الصيفية... في الشهر الأخير منها وفي أولى لياليه كان الذبول قد التفَّ حولي بينما كنت أقلب هاتفي في منتصف الليل... لم أدرِ ماذا أصابني، أذكر أنني وضعتُ هاتفي جانبًا بعدما تفقدتُ نصوصي ونقّحتها رغم كل شيء، ثم حاولتُ النوم ولم أستطع... شعرتُ بألم في قلبي أخذتُ نفسًا عميقًا وكان الألم يزداد، شعرتُ بأن ذلك عيبٌ أو ضعفٌ في الشخصية... شعرتُ بأنني أستسلم وأتنازل... وكأن طموحي يندثر وكأن أهدافي تدفن حيَّة .. تمسكتُ بوسادتي، ثم غفوتُ ولم أستيقظ إلّا قبل الظهيرة...
استيقظتُ متعبة جدًا، شعرتُ بأنني فقدتُ الرغبة في فعل شيء .. نظرتُ إلى عينيَّ وملامحي فوجدتها باهتة وشاحبة، يدي ترتجف، ووخزة قلبي لا تتوقف... غسلتُ وجهي وغفوتُ على يد الأريكة من جديد بعد ساعتين متعبتين... كانتا ساعتين من الصمت والهدوء والضعف، أصبحتُ أغفو سريعًا علّني أنسى ألم قلبي قليلًا، انقضت تلك الفترة العصيبة وخلّفت وراءها انطفاءً وظلامًا...
كان لدي معلمة تشبه روحي، هي أيضًا كاتبة، وكنتُ أشعر بأنها قريبة إلى قلبي، تحدّثتُ إليها في نهاية العام عمّا أكتبه، ورحّبت بذلك .. نصحتني وعلقت نصيحتها تلك في ذهني فلا أظنها ستنمحي .. ابتسمت، وشعرتُ بأن كلماتها تحتضنني، فرحت بذلك وأكملتُ بنشاط متجاوزة كل ما فات، أكملتُ حتى وصلتُ، ووجدتها فخورة بذلك كثيرًا، أضاءت قلبي .
مقالات في مجال تطوير وتحفيز الذات اقرأ جميع المقالات المميزة في مجال تحفيز وتطوير الذات على منصّة تعلّم تصفّح جميع المقالات الآن
الثالث من تموز...
أذكر أنها كانت بداية مسيرة هذا العام، أذكر كيف قمتُ بالنظرِ إلى كتب الثانوية بلهفة، وأذكر النشاط الذي بدأتُ به، كيف كنتُ أستيقظ مبكرًا وأنهمك بين الصفحات بشغف... وأجد متعة في ذلك
أكملتُ على هذا النحو حتى بداية العام الدراسي.
الثاني من أيلول ...
لا زلتُ في نشاط انطلاقتي الأولى قبل شهرين، أذكر كيف استقبلنا العام بالبالونات في ساحة المدرسة ..
انقضى اليوم الدراسي الأول، عدتُ إلى المنزل وبدأت بالمذاكرة رغم أننا لم نأخذ الكثير من الدروس ..
استمر هذا الحال حتى نهاية الفصل الدراسي، وصلتُ إلى المنتصف وكنتُ متعَبة، دائمًا ما تتربص بي نظرة إلى المستقبل، أنظر إلى ما تبقى، ولا أجده كثيرًا رغم أنه كذلك!! هنا كانت مجازفة حقيقية، أدركتُ أنّ ما درستُه خلال أيام الدوام والعطلة التي سبقتها كان البداية !! .. ورتبتُ الأمور في ذهني لأنني أفشل دائمًا في وضع جدول دراسي، أفشل فشلًا ذريعًا في الالتزام به ..
قرّرتُ الالتزام أكثر رغم الضجيج والأجواء التي لم تكن مناسبة بما يكفي، لم أتعرّض لضغط من قبل الأهل، ولم أسمع كلمة (ايش يا توجيهي) ولم توبّخني والدتي لأنها تراني أجلس على الهاتف أحيانًا بل كانت تشجّعني فحسب، وفي بداية الفصل الدراسي الثاني كنتُ غاضبة جدًا من الضجيج حولي لكنني استطعتُ تجاوزه والاعتياد عليه رغم أنني لا أطيقه...
وضعتُ ورقةً مفادها التزام الهدوء على الأقل في الخمسة أشهر القادمة ! ..
وبدأتُ بالتفكير في حيلة تجعلني أوفّق بين مواد الفصلين دون أن يغلب أحدها الآخر، نجحتُ في ذلك وكنت أضع أهدافًا لكل شهر وأسابق الوقت في إنهاء الدروس مبكرًا ..
رغم كل هذا كنتُ أشعر بتقصيري، وأفتح إحدى الكتب لمراجعتها فأجد نفسي تائهة كأنني أفتحها للمرة الأولى، لكنني قرأتُ كيف يعمل الدماغ وكيف يخزّن المعلومات ليستخرجها في الوقت الصحيح
فقط وليس قبله ..
اطمأننتُ لذلك ..
اقرأ أيضًا: أفضل 10 قصص قصيرة ذات دروس قيمة
اليوم الأخير من نيسان ...
أنهيتُ الدوام المدرسي، وبدأت العطلة الدراسية المليئة بالعمل ...
وكان ما يُجبرني على هذا كلّه هو الرغبة في الحصول على معدل مميز، بدأتُ من جديد ورتبتُ المواد حسب صعوبتها وحسب شغفي بها ...
انقضى الشهر الأخير الذي أُرهقتُ فيه عن العام كلّه...لم أشعر بأنه كان كافيًا أبدًا، اضطررتُ فيه إلى تقليل النوم إلى الحد الأدنى، كنت أنام خمسَ ساعات بحذر وفي الأيام التي يغلبني فيها النوم أشعر بالسوء وضيق الوقت المتبقي...
الحادي عشر من حزيران ...
بدأتْ الامتحانات، امتحانٌ تلو الآخر وشعرتُ بأنها انقضتْ بسرعة هائلة... لكنني لم أشعر بأن هناكَ عدلًا عندما ألغتْ الوزارة الأسئلة التي تحتاج إلى التركيز والتي تحتمل إجابتين إحداهما صحيحة والأخرى أصح
كنتُ قد أجبتُ عنها بشكل صحيح، ثم تفاجأتُ بإلغائها واحتسابها صحيحة لدى الجميع... وعندما أخفق في حلِّ سؤال واحد فقط أشعر وكأن الدنيا أظلمتْ فجأة، فكلّ سؤال بأربع علامات على الأقل، بالطبع كانت تلك العلامات الأربع كثيرة في نظري لأنني اجتهدتُ كثيرًا في سبيل الوصول إلى ما أريد... لم أكن مهتمة بحساب علاماتي بعد كل امتحان.
كنتُ أخرج من كل امتحان ولا أعلم كيف أجبتُ أنظر فقط للامتحان الذي يليه ولكن كان فضولي يدفعني إلى معرفة الإجابات النموذجية لبعض المواد... أحيانًا أطمئن وأحيانًا أخرى ينتابني الشك، لكن ما يهمّني هو اجتياز جميع الامتحانات بشكل جيد دون أن يؤثر أحدها على الآخر ...
اقرأ أيضًا: هل تحتاج إلى بعض الإيجابية؟ إليك 9 قصص قصيرة ملهمة
الأول من تموز لهذا العام ...
أنهيتُ تلك الفترة العصيبة، أنهيتُ السهر والتعب الجسدي والنفسي، والشعور بالعجز، وبدأتُ أشعرُ بالقليل من الراحة، القليل جدًا وذلك لأنني لم أعد قادرة على الجلوس لوقت طويل دون دراسة... لكنني كنتُ سعيدة بأنني أنهيتُ ذلك العام وتغلّبتُ على ذلك النظام الذي أثبتَ بأنه فاشل بالفعل، لكنه علّمني الالتزام والجدَّ أكثر من أي وقت مضى ...
رغم أنه خلَّف الكثير من التعب وألم الظهر!
رغم أنه مجرد عامٍ إلا أنه ترك عظيم الأثر في داخلي، ترك صندوقًا من الأمل... طبع اجتهادًا وعملًا في ذهني يستحيل نسيانه في فصول الأيام القادمة، في سنوات الصفحات الآتية وطيّاتها المقبلة... حتى في أعتى الرياح سأكمل...
صباح الخامس والعشرين من تموز ..
لم يغمض لي جفن منذ البارحة ولا أنكر بأنني كنتُ قلقةً كثيرًا... لكنني حاولت أن أكون أكثر هدوءًا وحزمًا، أن أطفئ نار القلق التي لم تفارقني طيلة الليلة، الساعات الأولى من الصباح أسوأ بكثير مما مضى من وقت..
ظننتُ بأنني سأتجاوزه عندما تدّق الساعة الحادية عشرة لكنني لم أفعل... استمر القلق يشتد حتى مضى على الحادية عشرة نصف ساعة أخرى، كانت قد أتلفت ما تبقى من صبر في داخلي... تجمّع الجميع حولي، إخوتي، أقاربي، والمكالمات الهاتفية المتدفقة، والسؤال نفسه: ماذا حصل؟... هل ظهرت النتيجة؟... وكنت بالكاد أُجيب... ثم ها هي النتيجة تظهر، بل وكما أردتها وتوقعتها خرجتْ إلى الواقع، لتصبح ضرب ذكرى حقيقي، ولتكون أجمل لحظة بعد طول اجتهاد وتحمّل للإرهاق والتعب والسهر، والصبر... حتى في لحظاتِ اليأس والشعور بالملل القاتل، كانت رسمة الحلم تعاود الحضور إلى عقلي لتذكرني أن لا وقت للتوقف...والشعور بالاستياء من طول الجلوس والعمل...
كانت كقائمة مهماتٍ أقوم بها بانتظام، حتى النهاية... رغم أنّ المواد والسطور والصفحات كانت تفلت مني غالبًا، إلا أنني استطعتُ أن أُبقي الأمور تحت السيطرة، فقد كنتُ أكتب متناسية ضغط الدراسة، وإفلات بعض المواد، وخروج بعض المهام عن السيطرة، وكنتُ أؤمن بأن الوقت القليل الذي أمنحه للكتابة لن يضرّ... بل سيكون إلى جانبي طالما أنني أحبّذ الكتمان ..
في الخامس والعشرين من تموز ، انتهت رحلة عامٍ طويل ، تكدّستْ فيه الأعباء والضغوطات، وانتهتْ في ذلك التاريخ ليصبح ضربًا من الذكرى الجميلة، أذكر بأنني كتبتُ عبارة تشبه تلك الأخيرة في ظهر إحدى الكتب المدرسية... وكانت : "اعمل حتى النهاية، أكمل حتى لا تندم، حتى لا تكون نهاية بائسة بعد أتعاب طويلة، حتى يكون ذلك التاريخ مميزًا تبتسم لذكراه!"... وكانت تلك الجملة ترتّبني من جديد.
تلك كانت تجربة أعوام كثيرة قبلها، وإصرار على تحقيق ما أريد، هكذا يسمو الإنسان ويتطوّر فكره وتنضج أفكاره، بضع كلمات لطيفة إلى جانب الكثير من العزيمة المتوقّدة كفيلة بصناعة الفرق.. آمل أن يتخذ المجتمع من مزيج الكلمة الطيبة والإصرار منهجًا.
عن الكاتبة:
سلمى أحمد محمد هواش، 20 عامًا من الأردن. هي طالبة في جامعة أولوداغ التركية. نشرت كتابها الأول في السابعة عشر من العمر بعنوان "المسافر رقم 12"، وأمّا كتابها الثاني فكان عبارة عن نصوص متنوّعة بعنوان "سويعات". تفتخر سلمى بكونها ابنة لغة الضاد وغايتها حفظ كتاب الله كاملاً، وطموحها أن تنتشر كتبها على نطاق واسع.
اطّلع على المزيد من مقالات المتطوّعين:
- مهارات يجب عليك اكتسابها: إدارة الوقت وترتيب الأولويات
- مهارات العرض التقديمي الفعال | كيف تقدم عرض تقديمي ناجح
- المعايير العشرة لتحقيق النجاح
يمكنك أنت أيضًا مشاركتنا بكتاباتك، ما عليك سوى تعبئة معلوماتك الشخصية وإرسال مقالتك من خلال طلب التقديم. ولات تنسَ قراءة تفاصيل الفرصة كاملة قبل التقديم.