قصة سيدنا يوسف كاملة مكتوبة | من قاع البئر إلى عرش مصر
إنّ قصَّة نبي الله يوسف عليه السلام ليست مُجرَّد سردٍ تاريخي لرحلة نبي من أنبياء الله، بل هي أعظم قصَّة رواها القرآن الكريم، ووصفها رب العالمين بأنَّها "أحسن القصص". إنّها قصة تمنحنا الأمل وتُعلمنا حسن الظن بالله، حيث تنتقل أحداثها من ألم الفراق إلى لذَّة اللقاء، ومن قاع البئر إلى قمَّة التمكين، ومن الظلم إلى العدل، ومن المحنة إلى المنحة.
قصة نبي الله يوسف هي قصَّة شاب صالح، ابتُلي في صغره بالحسد والظلم، لكنَّه تمسَّك بحبل الله، فنجّاه من كل كرب، ورفع شأنه، وحقق له رؤياه التي رآها في طفولته. وفي هذا المقال، سنروي لك القصَّة الكاملة للنبي يوسف عليه السلام مُستمدّةً من القرآن الكريم، خطوةً بخطوة، منذ لحظة الرؤيا الأولى، إلى يوم اللقاء العظيم على عرش مصر.
اقرأ أيضًا: أجمل 7 قصص عن الصبر فيها الكثير من العبر!
قصص قصيرة تحمل معانٍ عميقة ومؤثرة استكشف الآن مجموعة واسعة من القصص الملهمة وقصص النجاح لعدد من الشخصيات البارزة على المستويين العربي والعالمي عبر منصة فرصة. اقرأ من القصص الممتعة!
الجزء الأول: الرؤيا والبئر
في قديم الزمان، عاش نبيٌ من أنبياء الله يُدعى يعقوب، وكان من نسل سيدنا إبراهيم عليه السلام. ومن بين أبناء يعقوب الكثيرين، كان سيدنا يوسف عليه السلام. منذ صغره، لم يُمنح يوسف جمالاً أخّاذاً فحسب، بل وقلباً مليئاً بالنقاء والحكمة والرحمة. كان محبوبًا بشدّة من والده، ولم يغفل إخوته عن هذه الحب العميق وهو الأمر الذي كان يثير حنقهم.
وفي أحد الأيام، جاء يوسف إلى والده برؤيا ألهمته بشدة، حيث رأى فيها أحد عشر كوكبًا، مع الشمس والقمر، ساجدين أمامه. كانت رؤيا سيدنا يوسف مليئة بالغموض والدلالة، وبينما كان يرويها لأبيه، تأثَّر قلب يعقوب. أدرك على الفور أنَّ هذه ليست رؤيا عاديَّة، بل علامة - فقد اختار الله يوسف لهدف عظيم، وأن مستقبله يحمل وعودًا عظيمة.
خوفًا عليه من غيرة إخوته، نصح يعقوب يوسف أن يحتفظ بالحلم لنفسه ولا يُخبر به إخوته، مُدركًا تمامًا الخطر الذي قد يُسببه الحسد. ورغم حرصه، كان الإخوة قد استاءوا بالفعل. فقد راقبوا، يومًا بعد يوم، والدهم يُظهر عاطفة أكبر ليوسف وأخيه الأصغر، بنيامين. شعروا وكأنَّ والدهم يُحب يوسف أكثر منهم جميعًا مجتمعين، وزادت مرارة قلوبهم.
في السر، بدأ الإخوة الأكبر يتهامسون فيما بينهم. قادتهم غيرتهم إلى قرار سيء وشرير - سيُبعدون يوسف ليُركز والدهم عليهم بدلًا منه. حتى أن بعضهم فكّر في قتله، لكن أحد الإخوة اعترض على سفك الدماء، واقترح بدلًا من ذلك أن يُلقوا يوسف في بئر عميق - في مكان بعيد، حيث قد يجده المسافرون ويأخذونه بعيدًا. سيُخلصهم ذلك من يوسف دون أن يُودي بحياته مباشرةً.
اقرأ أيضًا: 5 قصص عن الصدق معبرة | تعلم أهمية قول الحقيقة دائماً!
كانت الخطوة التالية هي إقناع والدهم. اقتربوا من يعقوب، مُتوددين له وطلبوا منه أن يسمح ليوسف بالذهاب معهم إلى الحقول. وعدوه بالعناية به، وزعموا أنَّهم لا يريدون سوى أن يستمتع أخاهم الصغير ببعض اللعب والهواء النقي. تردَّد يعقوب، حيث خاف على سلامة يوسف، وقلق من أن يصيبه مكروه أو أن يأكله الذئب وهم منشغلون. لكن إصرارهم تغلَّب على حذره، وبقلبٍ مثقل، سمح ليوسف بالذهاب.
وما إن وصلوا إلى مكانٍ منعزل بعيد عن أعين الجميع حتى انقلب الإخوة على يوسف. كان الصبي، مرتبكًا وخائفًا، عاجزًا بين أيديهم. أخذوه إلى بئرٍ مظلمةٍ مهجورة، وألقوا به في أعماقها. وحيدًا في البرد والظلام ورغم الخيانة، لم ييأس يوسف، فقد ظل ثقته بالله راسخة.
بعد ذلك، دبَّر الإخوة خدعة أخرى، حيث ذبحوا شاةً وغمسوا قميص يوسف في دمها. في تلك الليلة، عادوا إلى أبيهم، متظاهرين بالبكاء والحزن. زعموا أنَّه بينما كانوا غافلين، هاجم الذئب يوسف والتهمه. قدّموا القميص المدمى دليلاً على ذلك. لكن يعقوب، النبي نفسه، وليس غريباً على خداع البشر، كان يعلم في أعماق نفسه أن قصتهم لا تتفق مع الواقع. فالقميص السليم غير المُمزَّق كشف كذبهم. ومع ذلك، ورغم حزنه الشديد، اختار يعقوب ألَّا يواجههم بغضب. بل صبر صبرًا عميقًا لا يتزعزع ووضع حزنه بين يدي الله.
في هذه الأثناء، كان يوسف في قاع البئر بعيداً عن دياره يرتجف وحيدًا. لكنَّ خطة الله كانت قد بدأت بالفعل. بعد فترة وجيزة، توقفت قافلة من المسافرين تمر بالمنطقة لجلب الماء. أنزل أحد الرجال دلوه في البئر - ولدهشته، ظهر صبي صغير. أُعجبوا بجماله وحالته، لكن بدلًا من إدراك قيمته، اختاروا إخفائه وبيعه في مصر كعبد.
وهكذا بدأت رحلة يوسف من الحريَّة إلى العبوديَّة، ومن دفء بيت أبيه إلى حياة العبوديَّة المجهولة في أرضٍ غريبة. بِيعَ مقابل حفنة من الفضَّة، وعومل كمجرد سلعة. لكنَّ معيّة الله كانت بجانبه في كل خطوة. وما بدا وكأنَّه حرمان من النعمة كان في الواقع بداية لنعمة أكبر.
اقرأ أيضًا: أجمل 5 قصص نجاح ريادية قصيرة ملهمة
الجزء الثاني: العبوديَّة، بيت العزيز، والفتنة
نُقل يوسف عليه السلام من أرض كنعان إلى مصر، لا كضيف ولا كرحّالة، بل كأسير تم بيعه بثمنٍ بخس. أُخذ بعيدًا عن دفء بيت والده النبي يعقوب، إلى عالم جديد لا يعرف فيه أحدًا، ولا يعلم ما ينتظره. لكنَّه لم يكن وحده، فقد كان الله يرعاه في كل لحظة.
وصل يوسف إلى مصر، وهناك اشتراه رجل من كبار رجال الدولة، يُعرف في القرآن بلقب "العزيز"، وهو وزير من وزراء الملك، بينما يرى بعض العلماء أنّه هو الملك نفسه. رأى العزيز في يوسف شيئًا مميزًا، جمالًا مُبهجًا، وهدوءًا وحكمة، وهيبة لا تشبه العبيد. أخذه إلى بيته، وقال لزوجته أن تكرمه وتحسن معاملته.
نشأ يوسف في بيت العزيز وتربى فيه، وكان الله يُهيئه لأمر عظيم. ومع مرور الوقت، نما جماله وأصبح فتنةً لكل من رآه، حتى إن زوجة العزيز نفسها بدأت تشعر بانجذاب نحوه. كانت امرأة ذات سلطة وجمال، تعيش في قصرٍ مترف، لكن قلبها خُطف من هذا الشاب الذي دخل بيتها عبدًا، وتحوَّل مع الوقت إلى شابٍ شديد الجمال.
وفي لحظة ضعف، أغلقت الأبواب وراودته عن نفسه. لم تكن محاولة عابرة، بل إصرارٌ مفضوح. لكن يوسف، الذي تربى على طاعة الله، وقف في وجه الفتنة بكل قوة. لم ينسَ من هو، ولا من يعبد. رفض أن يخون الأمانة، أو يغدر بمن أحسن إليه.
حاول أن يفرّ منها، فركض نحو الباب، وهي من خلفه تمسك بقميصه، حتى تمزَّق. وفي تلك اللحظة، دخل العزيز وشاهد الموقف. حاولت المرأة أن تُخفي جريمتها باتِّهام يوسف، لكن الحقيقة بدأت تظهر شيئًا فشيئًا. أحد أقربائها قال: “انظروا إلى القميص، إن كان قد مُزّق من الأمام، فهو المعتدي، وإن كان من الخلف، فهي الكاذبة.” وبالفعل، كان القميص قد تمزَّق من الخلف، فظهرت براءة يوسف.
اقرأ أيضًا: 3 قصص طويلة ذات عبرة تُعلمك دروساً مفيدة لن تُنسى!
ومع أن الحقيقة انكشفت، إلا أن العزيز قرر أن يطوي الأمر حفاظًا على سمعته، وأمر يوسف بأن يكتم الأمر. أما زوجته، فنُصحَت أن تستغفر ذنبها. لكن القصة لم تنتهِ هنا. انتشرت الشائعات في المدينة، وتناقلت النساء الحديث عن تلك المرأة التي عشقت فتاها. فغضبها جرح كرامتها، فأرادت أن تُظهر لهنّ من هو يوسف، ليعلمن لماذا فُتنت به. دعت النسوة إلى قصرها، وأعدّت لهنّ مجلسًا، وقدّمت لهنّ فاكهة وسكاكين. ثم أمرت يوسف أن يخرج أمامهن.
وما إن ظهر، حتى ذُهلن من جماله لدرجة أنَّهن جرحن أيديهن دون أن يشعرن. كان جماله غير مألوف، يشبه الملاك لا الإنسان. حينها قالت لهم أنّ هذا هو الذي لمتنني فيه، ولئن لم يفعل يوسف ما آمره به، ليسجننّ.
ورغم أن يوسف كان بريئًا، إلا أنه وجد نفسه أمام خطر جديد: إما أن يخضع ويعصي ربه، أو يدخل السجن. وهنا، توجه إلى الله بدعاء صادق، يختار فيه السجن على معصية الله. قال في نفسه: "السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه." فاستُجيب دعاؤه، ودخل السجن. ليس لأنه مجرم، بل لأنه اختار العفاف على الفاحشة، واختار السجن على خيانة الأمانة.
اقرأ أيضًا: 5 قصص عن الظلم مؤثرة | كيف يمكن للظلم أن يغير حياة إنسان؟
الجزء الثالث: السجن وتأويل الأحلام
دخل يوسف عليه السلام السجن مظلومًا، لا لأنَّه أذنب، بل لأنه رفض الذنب. لم يكن السجن نهاية، بل كان مرحلةً جديدة في قصة العناية الإلهيَّة. في ظاهره قيد وضيق، لكنَّه في حقيقته مكانٌ لتزكية النفس، وتعليم الحكمة، وتقوية الصلة بالله.
في السجن، كان يوسف هادئًا، كريم الخُلق، صادق الحديث، يحنو على الآخرين، ويهديهم إلى الله. ومن خلال سلوكه، شعر المسجونون أنَّ يوسف مختلف، وأنه ليس عبدًا عاديًا، بل رجل يحمل نورًا وطمأنينةً لا تشبه ما في السجن من يأسٍ وألم.
ذات يوم، دخل معه السجن شابّان، وكل منهما رأى حلمًا غريبًا أقلقه. اقتربا من يوسف وسألاه أن يفسر لهما ما رأيا. كان أحدهما يعمل ساقيًا للملك، والثاني خبازًا. قال أحدهما إنه رأى نفسه يعصر خمرًا، وقال الآخر إنه رأى طيورًا تأكل من فوق رأسه.
لكن قبل أن يفسر يوسف لهما رؤياهما، اغتنم الفرصة ليُبلّغ دعوته. لم يكن يوسف مُجرَّد مفسّر أحلام، بل نبيٌ يدعو إلى التوحيد. بدأ الحديث بسؤال جوهري: "أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟" ثم حدثهم عن توحيد الله، وعن بطلان عبادة الأصنام، وبيّن لهم أنه لا يطلب منهم مقابلًا، إنما هي دعوة خالصة لوجه الله.
بعد أن غرست كلماته في قلوبهم بذور الإيمان، انتقل إلى تفسير الأحلام. أخبر الساقي أنَّه سيخرج من السجن ويعود إلى عمله في خدمة الملك. أمَّا الآخر، فأخبره بالحقيقة المُرّة، أنه سيُصلب وتُؤكل من فوق رأسه الطير. وحدث كما قال، بدقَّة تامَّة، ليظهر أن يوسف لم يكن مجرد مفسر، بل أن الله قد آتاه علمًا من عنده.
اقرأ أيضًا: 4 قصص خيالية ستأخذك إلى عوالم أخرى لا تُنسى!
وقبل أن يخرج الساقي، طلب منه يوسف طلبًا بسيطًا: أن يذكره عند الملك، وأن يُخبره بقصته وبأنه سُجن ظلمًا. لكن الساقي نسي، وطال على يوسف الأمد في السجن، رغم براءته، لسنواتٍ أخرى.
ثم شاء الله أن يُظهر علم يوسف من جديد بطريقة غير مُتوقَّعة. رأى الملك رؤيا أرّقته: سبع بقرات سمان تأكلهنّ سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأُخر يابسات. لم يستطع أحد من حاشيته ولا من حكمائه أن يُفسِّر الحلم. عندها تذكّر الساقي يوسف، وهرع إلى السجن ليطلب منه التفسير.
استمع يوسف إلى الحلم بهدوء، ثم فسّره بتوفيق من الله. قال إن الحلم يدل على أنَّ البلاد ستمر بسبع سنوات من الخير والخصب، يليها سبع سنوات من الجفاف والقحط، ثم عام يعود فيه الخير.
لم يكتفِ يوسف بالتفسير، بل أعطى خطة واضحة لإنقاذ البلاد: تخزين الطعام في سنوات الرخاء بطريقة مُنظَّمة، والاستعداد للقحط القادم. عندما سمع الملك التفسير والخطة، أُعجب بذكاء يوسف وعلمه. لكن يوسف لم يخرج من السجن مباشرةً، بل طلب أن تُكشف الحقيقة أولًا، وأن يُظهر الناس براءته مما نُسب إليه.
فأمر الملك بالتحقيق من جديد، واستُدعيت النساء اللواتي شاركن في قصة امرأة العزيز، فاعترفن جميعًا ببراءة يوسف، واعترفت زوجة العزيز بنفسها، وأعلنت أن يوسف كان صادقًا، وأنها هي من راودته عن نفسه.
هنا خرج يوسف من السجن، لا كعبد، بل كرجل حكيم، طاهر، ومؤتمن. دخل السجن وهو مظلوم، وخرج منه مُكرَّمًا، محاطًا بالإعجاب والتقدير. لقد أظهر الله براءته، وبدأت ملامح التحوُّل الكبير في حياته تلوح في الأفق.
اقرأ أيضًا: 6 قصص أطفال طويلة مكتوبة تنمي خيالهم وقدراتهم!
الجزء الرابع: التمكين في الأرض ولقاء الإخوة
بعد أن ظهرت براءة يوسف عليه السلام، وتكشفَّت الحقيقة أمام الملك، لم يكن يوسف مُجرَّد رجل خرج من السجن، بل خرج بمكانة جديدة، وهيبةٍ لا تشبه حالته حين دخل.
أُعجب الملك بحكمة يوسف ورجاحة عقله، ورأى فيه الشخص المناسب لإدارة أزمة عظيمة تنتظر مصر. لم يطلب يوسف منصبًا لمُجرَّد الشرف أو السلطة، بل طلب المسؤولية عن خزائن الأرض، لأنَّه أراد أن ينقذ الناس من المجاعة القادمة. قال للملك بثقة وتواضع: "اجعلني على خزائن الأرض، إنِّي حفيظٌ عليم". لم يكن طلبه طمعًا، بل عرضًا للخدمة من رجل أمين يعرف كيف يدير الأمور.
وهكذا، تولَّى يوسف إدارة اقتصاد مصر، وكان ذلك بداية التمكين الذي وعده الله به. أصبح يوسف الرجل الثاني في الدولة بعد الملك، وكان يُدير الزراعة، والتخزين، والتوزيع بحكمة لم يعرفها أحد قبله. ومع مرور السنين، جاءت السنوات السبع الخصبة، وطبَّق يوسف خطته: أمر بتخزين الفائض من الطعام، وأشرف بنفسه على كل شيء، وكان عادلًا لا يُفرّق بين غني وفقير.
ثم جاءت السبع العجاف، وبدأت المجاعة تضرب مصر والبلاد المجاورة. الناس جاؤوا من كل مكان يطلبون الطعام. ومن بين هؤلاء، جاء إخوته من أرض كنعان، دون أن يدركوا أنهم سيقفون أمام أخيهم الذي رموه يومًا في البئر.
دخلوا على يوسف عليه السلام، ولم يعرفوه، فقد تغيّرت ملامحه، ولباسه أصبح لباس الملوك. لكنَّه عرفهم، وتأملهم طويلًا، واحتبس مشاعره. لم ينتقم، ولم يُظهر شيئًا. بدأ الحديث معهم بلطف، وسألهم عن أحوالهم، ثم سألهم: هل لديكم أخٌ آخر؟ فأخبروه عن "أخ لهم من أبيهم" (يقصدون بنيامين)، وأنَّ والدهم يحبه كثيرًا ولم يسمح له بالمجيء معهم.
اقرأ أيضًا: 6 قصص واقعية من الحياة تروي أحداثاً مؤثرة !
هنا طلب يوسف منهم أن يأتوا به في المرة القادمة، وقال لهم إنه لن يعطيهم طعامًا مرةً أخرى إن لم يأتوا بأخيهم الأصغر. ثم أمر خدمه أن يُعيدوا أموالهم إلى رحالهم سرًّا، حتى إذا رجعوا إلى أهلهم ووجدوا المال، تحفَّزوا للعودة.
عاد الإخوة إلى نبي الله يعقوب، وأخبروه بما حدث، وطلبوا منه أن يسمح لبنيامين بالسفر معهم. لكن يعقوب، الذي فقد يوسف من قبل، خاف أن يفقد ابنه الآخر. تردَّد، ثم وافق بشرط: أن يُعطوه عهدًا مؤكَّدًا بأنَّهم سيحمونه، ولن يفرطوا فيه أبدًا.
في المرة الثانية، دخل الإخوة على يوسف وبصحبتهم بنيامين. شعر يوسف بفرح كبير، لكنه لم يُظهر هويته بعد. أكرمهم، وأدخل بنيامين في قربه، ثم أخبره بسرّه، وقال له: "أنا أخوك، فلا تبتئس بما كانوا يعملون". كانت لحظة عاطفيَّة عظيمة، اجتمع فيها الشوق بالأمان، والدمع بالحنان، لكن الخطة لم تكتمل بعد.
أراد يوسف أن يُبقي بنيامين معه، فأعدّ خطةً ذكيَّة. وضع كأس الملك - وهي أداة قياس الطعام - في رحل بنيامين، ثم أعلن أن الكأس مفقود. وبعد تفتيش الأمتعة، وُجدت الكأس في رحل أخيه. وبحسب قوانين تلك البلاد، من يُضبط بشيء مسروق يُؤخذ كعبد.
صُدم الإخوة، وحاولوا جاهدين أن يُقنعوا يوسف أن يأخذ أحدهم مكانه، لكن يوسف رفض. وهنا عادوا إلى والدهم وأخبروه بما حدث، فحزن يعقوب حزنًا شديدًا. لم يكن فقد بنيامين سهلاً، خاصة بعد فَقْد يوسف، لكنه لم ييأس. قال لهم: "يا بَنيَّ اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله".
اقرأ أيضًا: أجمل 7 قصص عربية قصيرة مشهورة اقرأها الآن!
الجزء الخامس: كشف الحقيقة ولمّ الشمل
عاد إخوة يوسف عليه السلام إلى مصر، منهكين، تملأ قلوبهم الحسرة والخوف. فقدوا أخاهم بنيامين، ولا يملكون أي حجة مقنعة أمام أبيهم يعقوب. دخل الإخوة على يوسف مرةً أخرى، ولا يزالون يجهلون حقيقته. بسطوا أمامه معاناتهم، وأخبروه كيف أنَّ المصائب تتابعت عليهم، وكيف أخذ أخوهم الصغير، وأن أباهم شيخٌ كبير قد شقّ عليه فَقْد أبنائه. وهنا، بلغ المشهد لحظة عظيمة من لحظات القصة، لحظة طال انتظارها.
نظر يوسف إليهم، وقد رأى في وجوههم الندم والانكسار. لم يكن في قلبه كرهٌ ولا رغبة في الانتقام. لقد تجاوز تلك المرحلة منذ زمن، لأن قلب النبي لا يُقيم فيه الحقد. عندها، قرَّر أن يكشف عن نفسه، فقال لهم في هدوء يملأه الحنين: "هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون؟"
تجمَّد الزمن في تلك اللحظة، حيث صُعق الإخوة وتاهت الكلمات من أفواههم. هل من الممكن أن هذا هو يوسف؟ ذلك الصغير الذي ألقوه في البئر؟ وقفوا مذهولين وقالوا في دهشة وارتباك: "أإنك لأنت يوسف؟!" فأجابهم بابتسامة خفيفة وقلب صافٍ: "أنا يوسف، وهذا أخي، قد منّ الله علينا."
هنا، انهارت كبرياؤهم، وظهر ندمهم جليًا. اعتذروا، واعترفوا بخطئهم، وطلبوا العفو. ويوسف، بعظمة قلب الأنبياء، قال كلمته الخالدة التي أصبحت درسًا في العفو: "لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين."
ثم التفت إلى مهمته التالية، مهمة لمّ الشمل. طلب منهم أن يعودوا إلى أبيهم، وأعطاهم قميصه، وقال لهم أن يضعوه على وجه أبيه، فسيعود إليه بصره. ثم دعاهم جميعًا إلى مصر، ليعيشوا معه في كنفه، بعد سنين طويلة من الفُرقة.
عندما عاد الإخوة إلى كنعان، ودخلوا على يعقوب عليه السلام، كانوا يحملون البشارة. وقبل أن يقولوا شيئًا، قال أبوهم، وقد بدأ يشعر ببعض الأمل في قلبه: "إني لأجد ريح يوسف." تعجبوا من كلامه، لكنَّه كان صادق الإحساس. وما إن وضعوا القميص على وجهه، حتى عاد إليه بصره، كما وعد يوسف. فرح يعقوب، وسجد شكرًا لله، وغمرت البيت مشاعر لم تشهدها العائلة منذ فراق يوسف.
بعد ذلك، ارتحلت العائلة كلها إلى مصر، حيث استقبلهم يوسف بنفسه، وضمهم إلى صدره بحرارة الشوق والحب. وقد دخلوا على الملك مكرمين، وكان يوسف في قمة مجده ومنزلته. وهناك، في مشهد لا يُنسى، رفع يوسف أبويه على العرش، وخرّ له الجميع سجدًا تحية وتقديرًا، وكان هذا تحققًا لرؤيا الطفولة التي رآها منذ سنين، حين رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكبًا يسجدون له.
نظر يوسف إلى السماء، وتذكَّر كل ما مر به، من البئر، إلى السجن، إلى قصر الملك. قال في نفسه: "هذا فضل ربي". واعترف أن الفضل كله لله، وأنه هو الذي نصره وأيده وثبّته على الطريق.
اقرأ أيضًا: من أجمل القصص قبل النوم للأطفال في سن 6 - 7 سنوات
القراءة والتعلم هما المفتاح لاكتشاف عوالم جديدة وإثراء الروح والعقل التعلم رحلة لا تتوقف، اكتسب معرفة شاملة عن العالم من حولك، واكتشف معلومات جديدة يوميًا من خلال مقالاتنا المتميزة. تصفح المقالات الآن
وهكذا نصل إلى نهاية أحسن القصص، قصة يوسف عليه السلام، التي سطّرها القرآن الكريم بكل تفاصيلها، فكانت نورًا للقلوب، ودواءً للنفوس، ودروسًا خالدة لا يبهت بريقها بمرور الزمان.
رأينا في هذه القصة كيف يُدبّر الله الأمر بحكمة، وكيف أنَّ كل لحظة حزن أو ابتلاء كانت تمهيدًا لعطاء أعظم. من البئر إلى السوق، ومن القصر إلى السجن، ثم إلى خزائن الأرض وعرش مصر! لم تكن رحلة يوسف إلا طريقًا طويلًا من الابتلاء والإيمان، انتهى بالتمكين والرحمة والعفو.
إنَّ قصة سيدنا يوسف ليست فقط حكاية حدثت في الماضي، بل هي مرآة لكل مؤمن يمر بمحنة أو ظُلم، تُخبره أنَّ الفرج قادم، وأنَّ الله مع الصابرين. فلنأخذ من هذه القصة زادًا لأرواحنا، ولنبقَ على يقينٍ دائم أنَّ وراء كل ابتلاء حكمة، ووراء كل دمعٍ قدرٌ أجمل يخبئه الله لنا.
وأخيرًا، لا تنسَ الاشتراك في موقعنا حتى لا يفوتك أي جديد من مقالاتنا، ولا تتردد كذلك في الاطّلاع على المقالات السابقة في مُختلف الأقسام ومشاركتها مع الأهل والأصدقاء لتعم الفائدة!
اقرأ أيضًا: 5 قصص رعب تحبس الأنفاس في انتظارك | تصفحها الآن!
اقرأ أيضًا: أجمل 5 من قصص ألف ليلة وليلة مكتوبة ملخصة!
اقرأ أيضًا: تلخيص رواية البؤساء للأديب الفرنسي فيكتور هوجو
المصدر: islamweb
انضم الآن إلى منصة فرصة لتتمكن من التقديم على آلاف الفرص المجانية والحصول على أحدث الفرص فور صدورها.
مهندس ميكانيكا باور من مصر، أعمل على تصميم وتطوير أنظمة الطاقة والماكينات التي تعتمد على القوى الحركيَّة. لكن شغفي الحقيقي يكمن في البحث والكتابة، حيث أؤمن أنها وسيلة قوية لنقل الأفكار والتأثير في العالم من حولي.
دائمًا ما أسعى لإلهام الآخرين وتشكيل رؤيتهم حول مواضيع متنوعة مثل التكنولوجيا، الثقافة، العلوم، والتنمية الشخصية. لذلك، اخترت ملاحقة شغفي من خلال عملي في كتابة المقالات على موقع "فرصة"، إحدى أهم منصات صناعة المحتوى في الشرق الأوسط.