الشخصية المثالية في علم النفس Perfectionist: سماتها وكيفية التعامل معها
على الرغم ممّا يبدو عليه مصطلح "الشخصية المثالية" "Perfectionist" من كونه جذّابًا ورائعًا، فهو ليس على هذه الدرجة من الإيجابية في علم النفس… في الواقع فهو يعتبر أحد الاضطرابات النفسية التي تحتاج إلى العلاج!
سنتعرّف في مقالنا هذا أكثر عن الشخصية المثالية، سماتها وطرق معالجتها والتعامل معها.
ما هي الشخصية المثالية في علم النفس؟
المثالية أو الـ Perfectionism في علم النفس هو سمة شخصية واسعة تظهر بوضوح في رغبة الفرد الشديدة وسعيه الدائم للكمال والخلو من الأخطاء والعيوب. حيث تترافق هذه الرغبة مع تقييم ونقد للذات، ومخاوف بشأن تقييمات الآخرين.
تدفع سمة المثالية الناس إلى الاهتمام والسعي لتحقيق مُثُل أو أهداف غير واقعية، الأمر الذي ينتج عنه العديد من المشاكل والاضطرابات النفسية كالاكتئاب وتدني تقدير الذات، وصولاً إلى الميول الانتحارية في بعض الحالات المتقدّمة. وقد لوحظ مؤخّرًا أنّ السعي المحموم للكمال والمثالية يزداد انتشاراً، خاصّة بين فئات المراهقين والشباب.
سمات و صفات الشخصية المثالية
يخلط الكثيرون بين "المثالية" و"الإنتاجية العالية"، فيعتقدون أنّ الشخص المثالي يحقق إنتاجية عالية ونجاحًا كبيرًا في مختلف جوانب حياته. بيْد أنّ ذلك ليس صحيحًا على الإطلاق.
غالبًا ما يكون أصحاب الشخصية المثالية أقلّ إنتاجية، ويوجهون صعوبة في الوصول إلى نتائج "مثالية" بل وحتى تحقيق نتائج "مقبولة" ممّا ينعكس سلبًا على أدائهم ورضاهم عن أنفسهم.
فيما يلي 9 سمات يتميّز بها أصحاب الشخصية المثالية، فهل تجدُ أيًّا منها في شخصيتك؟
1- مبدأ الكل أو لا شيء في التفكير
يتشابه المثاليون "perfectionists" وأصحاب الإنتاجية العالية "high achievers" في أنهم يضعون جميعًا أهدافًا كبيرة ويعملون بجدّ كبير لتحقيقها. لكن أصحاب الإنتاجية العالية يشعرون بالرضا إن هم قاموا بعمل رائع وحققوا نتائج ممتازة حتى لو لم يتمكّنوا من تحقيق هذه الأهداف.
أمّا أصحاب الشخصية المثالية فلن يقبلوا بأقلّ ممّا هو مثالي، بالنسبة لهم، تحقيق شيءٍ أقلّ ولو بقليل يعدّ فشلاً ذريعًا...إنهم ينتهجون أسلوب "الكل أو لا شيء" في التفكير، بمعنى إمّا أن يسير كلّ شيء كما يريدون وإمّا فلا.
2- انتقاديون جدا
ينتقدُ أصحاب الشخصية المثالية أنفسهم والغير أكثر بكثير من الأشخاص الطبيعيين. ففي الوقت الذي يشعر به الشخص الطبيعي بالفخر تجاه إنجازاته، ويدعم الآخرين ممّن يسعون لتحقيق أهدافهم، نجدُ أنّ المثالي يركّز على الأخطاء والثغرات.
إنّه منشغل للغاية بمواطن النقص والضعف ولا يستطيع رؤية أيّ شيء آخر، الأمر الذي يجعله أكثر إصدارًا للأحكام وأكثر قسوة على نفسه والآخرين عند الفشل.
اقرأ أيضًا: مهارات الرد على الانتقاد
3- الشعور الدائم بالخوف
كيف تنظر إلى أهدافك؟ وكيف تمضي في طريقك نحو تحقيقها؟
إن كنت تسعى نحوها مدفوعًا بالرغبة والشغف الكبير نحوها، وتستمتع بكلّ خطوة تخطوها تجاه هذه الأهداف، فأنت على الأرجح شخص طبيعي، وستتمكّن من تحقيق نتائج مرضية.
لكن، إن كان الخوف من عدم تحقّقها هو دافعك، وكنت ترى أيّ إنجاز أقلّ من المثالي كفشلٍ ذريع، فأنت في هذه الحالة شخص مثالي يسعى إلى الكمال المستحيل، وستواجه الكثير من الصعاب على الأغلب في طريقك هذا.
اقرأ أيضًا: كيف تتغلب على الخوف والهلع في الأوقات الصعبة؟
4- معايير غير واقعية
للأسف الشديد فإن أصحاب الشخصية المثالية لا يضعون دومًا أهدافًا منطقية، ففي الوقت يستطيع فيه الشخص الطموح ذو الإنتاجية العالية أن يضع أهدافًا كبيرة، ويحققها، بل ويستمتع بالمضي إلى أبعد منها، نجد أنّ المثالي يضع أهدافًا غير واقعية وغير قابلة للتحقق، الأمر الذي يجعل رحلته نحوها تعيسة بائسة ومليئة بالعقبات والفشل.
5- التركيز على النتائج
في الوقت الذي يستمتع فيه أصحاب الإنتاجية العالية والأشخاص الطبيعيون بالطريق نحو أهدافهم أكثر من استمتاعهم بتحقيق الهدف نفسه أحيانًا، فإن الشخصية المثالية ترى النتيجة النهائية ولا شيء غيرها، إنها منشغلة للغاية بتحقيق الهدف والخوف من الفشل لدرجة أنّها لا تستطيع الاستمتاع بالرحلة نحو القمة.
6- الإكتئاب عند الفشل في تحقيق الأهداف
المثاليون أقلّ سعادة بشكل عام من الأشخاص الطبيعيين. ذلك لأنّ الأشخاص الطموحين وأصحاب الإنتاجية العالية قادرون على الوقوف مجدّدًا على أقدامهم بعد الفشل وخيبات الأمل، في حين أنّ المثاليين يُغرقون أنفسهم في بحر من الأحزان والمشاعر السلبية وجلد الذات حينما تفشل أهدافهم غير الواقعية في التحقق.
7- الكسل والتأجيل
قد يبدو من الغريب حقًا أنّ المثاليين قد يلجأون للتأجيل والتكاسل عن أداء أعمالهم، نظرًا لأنّ هذه السمة تؤدي إلى تخفيض وتقليل الإنتاجية، لكن في الواقع ترتبط الشخصية المثالية بالكسل ارتباطًا كبيرًا.
لماذا؟!
نتيجة لخوفهم الشديد من الفشل، فإنّ المثاليين قد يقلقون كثيرًا تجاه القيام بشيء ما دون أن يكون مثاليًا، الأمر الذي يشلّ قدرتهم تمامًا ويحول دون قيامهم بإنجاز أيّ شيء.
الفشل في إنجاز المهام، سيزيد من شعورهم بتأنيب الضمير والخوف ممّا يغرقهم في حلقة مقفلة من الكسل والخوف وقلة الإنتاجية.
اقرأ أيضًا: 8 نصائح تساعد الاشخاص المماطلين على ترتيب اولوياتهم
8- اتخاذ موقف دفاعي على الدوام
نظرًا لأن الشخصية المثالية تعتبر أنّ أيّ إنجاز أقلّ من المثالي يعتبر فشلاً ذريعًا، فإن أصحابها يميلون لاتخاذ موقف دفاعي على الدوام. وعليه فإنّ النقد البنّاء الذي يُوجّه إليهم قد يبدو في نظرهم هجومًا لتدميرهم، في حين أنّ الشخص الطبيعي قد يراه معلومة قيّمة تساعدهم لتحقيق أداءٍ أفضل مستقبلاً.
9- تدني تقدير الذات
كما سبق أن وضّحنا، فإنّ أصحاب الشخصية المثالية أو Perfectionists غالبًا ما يكونون أكثر قسوة على أنفسهم من الأشخاص الطبيعيين، وبالتالي فهم غالبًا أقلّ سعادة، وتقديرهم لذاتهم متدني للغاية.
ليس هذا وحسب، إذ كثيرًا ما يكونون منعزلين ووحيدين، نظرًا لأن طبيعتهم الانتقادية وجمُودهم يبعد الآخرين عنهم. وكلّ هذا يؤدي إلى تدني تقديرهم لذاتهم.
اقرأ أيضًا: 8 مشكلات يسببها تدني تقدير الذات وكيفية معالجتها
كيف تعالج هوسك بالكمال؟
إذن هل انطبقت عليك أيّ من السمات السابقة؟ هل تشعر أنّك شخصية مهووسة بالكمال والمثالية أو ما يطلق عليه Perfectionist؟
إن كنت كذلك فلا تبتئس، إذ يمكنك بلا شكّ أن تعالج هذه المشكلة وتتخلّص من هوسك غير المنطقي بالكمال، لتصل إلى مرحلة النجاح الحقيقي التي تحققّ فيها أهدافك وتشعر فيها بالرضى عن إنجازاتك حتى لو لم تكن مثالية.
فيما يلي بعض الطرق التي ستساعدك على التغلّب على مشكلة الهوس بالكمال:
1- اعترف بوجود المشكلة
الاعتراف بالمشكلة هو نصف الحلّ...قاعدة ثابتة لا تتغيّر.
لذا، إن كنت راغبًا في التخّلص من مشكلة الهوس بالكمال، عليك بداية أن تعترف بوجود هذه المشكلة.
لكن كن ذكيًا في اعترافك بهذه المشكلة. لا تقل لنفسك: "أنا مهووس بالكمال" أو "أنا شخصية مثالية"...بدلا من ذلك، انظر لهذه المشكلة على أنّها تصرّف غير مرغب تودّ لو تغيّره.
التفكير على هذا النحو يسهّل عملية التغيير، لأن تغيير التصرّفات أسهل بكثير من تغيير الطبائع والسمات الشخصية.
وخلال عملية الاعتراف بهذا الأمر، فكّر أيضًا في المواقف التي تشعر خلالها بأنّ هوسك بالكمال يتجلّى أكثر من أيّ وقت آخر.
هل يحدث ذلك حينما تقوم بالأعمال المنزلية مثلاً؟ أو ربّما حينما تكلّف أحدهم بإنجاز مهمّة ما؟
فكّر في الأمر ودوّن ما توصّلت إليه على ورقة جانبية لتعود إليها لاحقًا.
اقرأ أيضًا: كيف أحل مشكلتي
2- اسأل نفسك: ما الذي يغذيه هذا الهوس بالكمال؟
حينما تفهم السبب الحقيقي الذي يجعلك مهووسًا إلى هذا الحدّ بأن يكون كلّ شيئ مثاليًا، حينها فقط ستستطيع مواجهة هذه المشكلة ومعالجتها.
هل يعود السبب إلى شعورك بالخوف من شيء معيّن؟ الرغبة في المجد والتباهي؟ أو ربّما شعورك بانعدام الاستقرار وقلّة ثقتك بنفسك.
يُعتبر تحديد القناعات المسبقة التي تغذّي هوسك بالكمال، خطوة مهمّة للغاية لمواجهتها، ويساعدك على معرفة القناعات التي يتعيّن عليك الإبقاء عليها وتلك التي تحتاج إلى تغييرها والتخلي عنها.
3- واجه الاحتمال الأسوأ
الهوس بالكمال هو في العادة طريقة لضمان عدم الفشل. لكن هذه الطريقة في محاولة منع حدوث الأسوأ بشتى الوسائل ليست الأفضل لتحفيز التفكير الإبداعي وتشجيعه.
لذا، وحتى تتغلّب هذا الأمر، قم بالآتي:
تخيّل أسوأ ما يمكن أن يحصل لك في موقف أو مجال معيّن، وفكّر في ضآلة احتمالية أن يتحقق. ليس هذا وحسب، حينما تفكّر في ذلك، ستكتشف على الأغلب أنّك قادر على القيام بشيء ما لإنقاذ الموقف حينها على أيّة حال.
وإن كنت ممّن يضخّمون الأمور ويرون احتمالية حدوث كارثة في كلّ شيء، فقد يكون من المفيد أن تدوّن جميع الاحتمالات السيئة التي قد تحدث، مقابل السيناريو الأكثر احتمالاً، وتعرضها بعد ذلك على شخصٍ آخر أكثر خبرة (يُفضّل ألا يكون مهووسًا بالكمال مثلك!).
إخراج هذه الأفكار من رأسك، سيسهم كثيرًا في التخفيف من أثرها السلبي عليك.
اقرأ أيضًا: 11 طريقة يهدم بها الأشخاص الأذكياء نجاحهم
4- حدد معايير العمل قبل البدء به
قبل أن تبدأ العمل على أيّ مشروع أو مهمّة أو هدف معيّن، وقبل أن تغرق في دوامة السعي إلى الكمال، اسأل نفسك بداية ما هي المعايير التي ستعتمد عليها في ذلك.
لنفترض على سبيل المثال أنّ مديرك قد طلب منك إعداد عرض تقديمي معيّن، وقضيتَ أنت وقتًا طويلاً في تجهيزه والعمل عليه ليكون مثاليًا. ثمّ تكتشف فيما بعد أنّ مديرك كان بحاجة لعرض تقديمي سريع ومختصر ليستعمله كخلفية فقط في أحد اجتماعاته، ولم يهتمّ كثيرًا بمحتواه، بل لم يستعرضه حتى!
في هذه الحالة ستكون قد أضعت من وقتك وجهدك الكثير في تجهيز هذا العرض في الوقت الذي كان يمكنك فيه القيام بأشياء أخرى أكثر نفعًا.
ليس من الضروري أن يكون كلّ شيء مثاليًا، أو ذا جودة عالية للغاية...أحيانًا قد تكون المعايير التي تعتمد عليها منخفضة.
احرص دومًا على تحديد هذه المعايير قبل البدء بأيّ شيء، ووازن جهدك ووقتك بناءً على ذلك.
اقرأ أيضًا: 7 خطوات بسيطة لتصبح تعيسا!
5- انتبه لما تقوله لنفسك
في حال كنت تحدّث نفسك غالبًا مستخدمًا جملاً مثل:
- "إن كنتُ سأقوم بهذا الأمر فسوف أقوم به بشكل صحيح وإمّا فلا."
- "هيا لا تكن كسولا!"
- "كلّ شيء يعتمد على هذا الأمر"
في هذه الحالة سيكون من الصعب على الأرجح ألاّ تسعى نحو الكمال. لذا ابدأ بمراقبة كلامك لنفسك، وانتبه إن كان يغذّي شخصيتك المثالية أم لا.
في حال اكتشفت أنّه يقودك لمزيد من الهوس بالكمال، فابدأ على الفور باستبداله بعبارات وجمل أخرى.
حتى عباراتك الإيجابية قد تتحوّل أحيانًا إلى وقود للمثالية والهوس بالكمال. على سبيل المثال، إذا وجدت نفسك تشجّع نفسك وفريقك على الدوام باستخدام جمل مثل: "لنقم بتعديل آخر فقط" أو "لنحاول قليلاً بعد.." أو ما شابهها، اسأل نفسك إن كان الأمر يستحقّ العناء فعلاً، أم أنّك ترغب في إشباع هوسك بالكمال وحسب.
اقرأ أيضًا:14 طريقة سهلة تحطم ثقتك بنفسك دون أن تشعر
6- ضع لنفسك مواعيد نهائية للتسليم
حينما تضعُ موعدًا نهائيًا لتسليم عمل أو مشروع محدّد، فلن يُتاح لك الكثير من الوقت للعودة إليه والاستمرار في التعديل والتغيير سعيًا إلى الكمال. بعكس ما سيكون عليه الحال لو أنّك تعمل دون وجود موعد نهائي للتسليم، ممّا قد يؤدي إلى استمرار العمل لفترات طويلة جدًا.
في كلّ مرّة تقوم فيها بمهمّة ما، حدّد لنفسك 30 دقيقة فقط (أو فترة زمنية مناسبة) لإتمام هذه المهمة، والتزم بهذا الإطار الزمني التزامًا تامّا.
قد تسأل الآن: "وكيف أضمن أنّي لن أماطل بعدها لوقت أطول؟"
حسنًا، يمكنك ذلك من خلال ملأ جدولك بمهام أخرى يتعيّن عليك القيام بها بعد إنهاء هذه المهمّة، أو التخطيط لشيء ممتع للغاية رغب في القيام به بمجرّد إنهاء العمل الذي بين يديك.
ستضمنُ بهذه الطريقة أنّك لن تمنح المهمّة التي بين يديك وقتًا أكثر ممّا تستحقّه فعلاً، وسيكون عليك تركها والانتقال لما بعدها سواءً كان أداؤك مثاليًا أم لا.
دورات تطوير الذات سجّل الآن في الدورات المجانية والمدفوعة في مجال التنمية البشرية وتطوير الذات، والمتاحة على فرصة.كوم سجل في الدورات
كلمة أخيرة
الشخصية المثالية Perfectionist ليست أمرًا إيجابيًا على الدوام، ولا سمة محبّبة قد ترغب في التحلي بها، إذ أنّها في كثير الأحيان ستُدخل في حلقة مفرغة من الخوف وانعدام تقدير الذات الذي قد ينتهي بالفشل.
إن كنت تجد نفسك شخصًا مهووسًا بالكمال ساعيًا على الدوام لتحقيق أهداف غير واقعية، فربما حان الوقت لتتعلّم كيفية العمل بفعالية أكبر.
حان الوقت لتكتفي بالـ "الممتاز" بدلاً من "المثالي"، فما دمت قد بذلك أقصى جهدك لإنجاز مهمّة معيّنة أو تحقيق هدف ما، فذلك يكفي.
تذكّر جيّدًا...من الجميل أن تسعى للتطوّر والتحسين المستمر، لكن ليس من الحكمة أن تغرق في السعي إلى الكمال لدرجة تتوقّف معها عن التقدّم للأمام.
شاركنا رأيك حول كيفية التغلّب على مشكلة الهوس بالكمال، ولا تنسَ التسجيل في موقعنا والاطلاع على أحدث المقالات المسليّة والممتعة.
المصادر: maybusch، wikipedia، verywellmind
اقرأ أيضًا:4 خرافات شائعة حول التأجيل والتسويف
اقرأ أيضًا: 10 طرق سهلة لإبقاء عقلك نشيطا
اقرأ أيضًا: كيف تعثر على هدفك في الحياة؟