كيف يتخذ المدير التنفيذي لشركة امازون قراراته الصعبة ؟
ربما لم تسمع من قبل عن جيف بيزوس، لكنّك بلا شكّ قد سمعت عن شركة أمازون التي أسسها، إنها أكبر شركة للتجارة الإلكترونية في العالم. والتي بدأت كمنصّة لبيع الكتب عبر الانترنت، ثمّ تطوّرت لتصبح موقعًا لبيع مختلف المنتجات بدءًا من أشرطة الفيديو وخدمات تنزيل الأغاني والملفات الصوتية بشكل عام، وصولاً إلى المجوهرات وملابس ولوازم الأطفال.
ليس هذا وحسب، إذ تملك شركة أمازون دارًا للنشر تحمل اسمها "Amazon Publishing"، استديوهات للأفلام والتصوير "Amazon Studios" والعديد من الخدمات والشركات الأخرى التابعة لها.
ونظرًا لما حققته هذه الشركة من أرباح هائلة ونجاح ساحق على مرّ السنين، تبادر السؤال التالي إلى ذهن الكثيرين: كيف يتخذ جيف بيزوس، المدير التنفيذي ومؤسس شركة أمازون قراراته الصعبة، التي كانت ولازالت تحدّد مصير الشركة؟
وضّح جيف في خطاب وجهه إلى شركائه في الشركة أنّ هناك ثلاث استراتيجيات مهمّة ورئيسية تسهم في اتخاذ القرارات الصعبة. والتي إن وضعت موضع التنفيذ، ستؤدي بلا شكّ إلى مخرجات إيجابية. فما هي هذه الاستراتيجيات يا ترى؟
1- الاستراتيجية الأولى: يمكنك التراجع عن أي قرار تتخذه
يقول جيف بيزوس أنّ هناك نوعين رئيسيين من القرارات: قرارات يمكن التراجع عنها، وقرارات حاسمة غير قابلة للتبديل. حيث يوضّح وجهة نظره قائلاً: "إذا اتخذت قرارًا ما، ولم تعجبك النتائج التي بدأت تحصل عليها، فقد لا تستطيع العودة والتراجع، ويعرف هذا النوع من القرارات بالقرارات الثابتة، لكنّ معظم القرارات التي نتخذها في الواقع ليست هكذا، إنها قابلة للتغيير والتعديل والتراجع." ويواصل جيف متحدّثًا عن تجاربه السابقة في اتخاذ القرارات: "لوقت طويل كنت أتعامل مع القرارات القابلة للتراجع على أنها قرارات نهائية لا يمكن تغييرها، الأمر الذي كلفني سنوات عديدة قضيتها خائفًا من الفشل. لكني بدأت ألاحظ أمرًا مهمًّا، فالعديد من الأشخاص الذين أسسوا شركات لهم، وفشلوا عادوا من جديد إلى وظائفهم السابقة، وهنا توصّلت إلى قناعة مهمّة، الخسارة لا تعني دائمًا العودة إلى نقطة الصفر، وفترة التراجع تكون في غالب الأحيان أقصر من المتوقّع."
بحسب جيف بيزوس، فإن ما يمنح الناس القوّة لاتخاذ القرارات، ليس الشجاعة والجرأة للسير في طريق ذو اتجاه واحد، وإنّما الوعي الكافي بأن الطريق الذي يسيرون فيه هو في الواقع ذو اتجاهين، ويمكنهم التراجع عنه في أيّ وقت دون أن يضطرّوا للعودة إلى نقطة الصفر. لو فشل موقع فيسبوك على سبيل المثال، لكان أسوأ ما سيحصل لمديرها التنفيذي مارك زوكربيرغ هو الرجوع إلى جامعة هارفارد والحصول على وظيفة مميزة! لو فشل جيف بيزوس نفسه في تأسيس شركة أمازون، لكان سيعود للعمل في وظيفة براتب عال في والستريت! في حال فشلت مؤسسة تكنولوجيات استكشاف الفضاء المعروفة بـ SpaceX، فإن مؤسسها Elon Musk يمتلك عدّة شركات أخرى مثل Tesla و Hyperloop وغيرها.
2- الاستراتيجية الثانية: الالتزام على الرغم من المعارضة
قد يكون إقناع الآخرين بوجهة نظرك أمرًا صعبًا، ويأخذ من وقتك الكثير، لذا بدلاً من إنفاق جهدك ووقتك في محاولة إقناعهم، يحثّك بيزوس على أن تطلب منهم المغامرة قائلاً: "إن كنت تمتلك قناعة حول ضرورة السير في اتجاه معيّن، ولم يكن فريقك متفقًا معك، قد يكون من المفيد أن تقول لهم: أعلم أنّ آراءنا مختلفة، لكن هل لديكم الاستعداد للمغامرة معي؟ أن تلتزموا معي في هذا الطريق على الرغم من عدم موافقتكم عليه؟".
لا ينطبق هذا الأمر على فريق العمل وحسب بل على متخذ القرار نفسه أيضًا. إقناع نفسك قد يكون بذات صعوبة إقناع الآخرين، حيث أنّك عندما تجد نفسك أمام قرار صعب كتغيير مسارك المهني على سبيل المثال، ستلاحظ وجود أصوات داخلية تعارض قرارك، بل وحتى بعد اتخاذ القرار، لن تتلاشى هذه الأصوات، على العكس قد تزداد علوًا أو ما تفتأ تتعالى من جديد عند أوّل عقبة تواجهك، كأنها تريد أن تثبت لك أنّ قرارك كان خاطئًا.
لا يمكنك بالطبع تجاهل هذه الأصوات، لكن يسعك على الأقل أن تغامر، وتطبّق نهج "عدم الاتفاق والالتزام". هذا الأمر يختلف عن محاولة إقناع نفسك بأنّ القرار الذي اتخذته كان صحيحًا وواضحًا، بل يعني أنّك تتقبل فكرة أنّ قرارك ربما لم يكن واضحًا تمامًا وتلتزم بعد ذلك بزيادة احتمال نجاحه. ولعلّ هذه الاستراتيجية تعمل بصورة أفضل في حال ارتبطت بفترة زمنية معيّنة. بمعنى آخر، امنح قرارك الذي اتخذته مهلة حتى يثبت مدى نجاحه أو فشله. وهنا يضرب جيف بيزوس مثال شركة أمازون إذ يقول موضّحًا: "عندما اتخذت القرار بترك وظيفتي، لتأسيس شركة دون أن أتقاضى راتبًا شهريًا خلال الأشهر الأولى، كان هناك جزء في أعماقي متحمّس للفكرة، وجزء آخر معارض تمامًا، لكني تمكّنت من إقناع الجزء المعارض بعد أن منحت نفسي مهلة تسعة أشهر لأرى ما إذا كنت سأنجح أم لا وما إذا كنت سأتمكن من جمع التمويل الكافي. في حال فشلت في تحقيق الهدف خلال تسعة أشهر، كنت سأبدأ بالبحث عن عمل لأتمكن من تمويل شركتي، وأمنح نفسي بعدها مهلة أخرى لتحقيق الخطوة التالية، وهكذا. باختصار كنت أحرص على ربط كلّ مغامرة أقوم بها في مجال عملي بفترة زمنية محدّدة ممّا يجعل الأصوات المعارضة في رأسي أو من حولي تلتزم معي حتى لو لم تكن موافقة تمامًا على قراري!".
اقرأ أيضًا: تعرف على أهم 5 كتب قرأها بيل غيتس
اقرأ أيضًا: 10 طرق للتحدث أمام الناس دون خوف
اقرأ أيضًا: ما هي مهارات العمل ضمن فريق
3- الاستراتيجية الثالثة: خذ قرارًا عندما تمتلك ما نسبته 70% من المعلومات اللازمة
نادرًا ما تأتي القرارات الصعبة، وخاصة الشخصية منها مزوّدة بمعلومات وافية عن كلّ شيء يتعلّق بها. والمهارة الحقيقية تكمن في معرفة الوقت المناسب الذي تمتلك فيه ما يكفي من المعلومات لاتخاذ القرار، وهنا يقول جيف: "يجب أن يتمّ اتخاذ أغلب القرارات عندما تمتلك ما نسبته 70% من المعلومات التي كنت تتمنى الحصول عليها. في حال انتظرت حتى تمتلك ما نسبته 90% من هذه المعلومات، فسوف يأتي قرارك متأخرًا على الأرجح. وفي جميع الحالات، عليك أن تتمتّع بمهارة إدراك القرارات السيئة والقدرة على إصلاحها. لأنك عندما تمتلك هذه المهارة لن يكلّفك اتخاذ القرارات السيئة الكثير على عكس اتخاذ القرارات المتأخرة التي ستدفع ثمنها باهظًا." ويواصل جيف قائلاً: "اتخاذ قرارات مدعمّة بما نسبته 70% من المعلومات قادني في أغلب الأحيان إلى الطريق الصحيح، لأن التحرّك واتخاذ إجراء ما سيقودك للحصول على المزيد من المعلومات."
ويؤكد بيزوس في النهاية على ضرورة محاربة الخوف من التغيير، الذي يحول في الغالب بيننا وبين اتخاذ القرارات، إذ يقول: "التنبؤ بما سنرغب به في المستقبل أشبه بمحاولة إصابة هدف سريع الحركة. سوق العمل متغيّر، وكذلك نحن، إننا نتغير مع مرور الوقت. وبعد سنوات قليلة، قد تدرك أنّك تمتلك شغفًا لم يكن يخطر لك على بال في السابق!".
يمنحنا نهج جيف بيزوس الذي يطلق عليه اسم "استراتيجية الـ 70%" الحرية لاتخاذ قرارات حاسمة مع الحفاظ على نسبة من المرونة في إدارة أعمالنا. وهو منهج لا ينطبق على الأعمال والحياة المهنية وحسب، على العكس فهو ذو فائدة عظمى في اتخاذ القرارات الشخصية التي عادة ما تكون مدعاة للقلق وسببًا في توتر الكثيرين وشعورهم بالإحباط.
من خلال هذه الاستراتيجيات الثلاثة، نجد أنّ اتخاذ القرارات الحاسمة ليس أمرًا سهلاً، بل حتى كبار رجال الأعمال قد يجدون صعوبة في تحديد الخطوة التالية التي يتعيّن عليهم القيام بها، لكنّ هذا الأمر ليس حجّة للتوقف والاستسلام. عليك دومًا التحلّي بالشجاعة و الجرأة الكافيتين لاتخاذ قرار حاسم ينتقل بك إلى المرحلة التالية، حتى لو لم تكن واثقًا تمامًا من صحّته ولم تملك 100% من المعلومات الكافية التي تحتاجها. وتذكّر دائمًا، معظم القرارات التي نتخذها قابلة للتبديل والتراجع، واتخاذ إجراء خاطئ لا يعني بالضرورة العودة إلى نقطة الصفر دائمًا.
اقرأ أيضًا: لا تسمح لأحد أن يخبرك بأنك لا تستطيع
اقرأ أيضًا: كيف اتخلص من الغيرة من نجاح الاخرين ؟
اقرأ أيضًا: خمس أفكار لمشاريع الريادة الاجتماعية للشباب
المراجع: