كيف نفهم مشاعر الآخرين وهل لدينا علم بما يحتاجونه منّا بالفعل؟
النفس البشرية عبارة عن منظومة معقّدة للغاية من المشاعر والأحاسيس والأفكار، ومنذ الأزل سعى البشر على اختلاف ثقافاتهم ومستواهم التعليمي على فهم الآخر، وتحليل ما يشعر به، نظرًا لما لهذا الأمر من أثر إيجابي في بناء العلاقات الإنسانية وتوطيد أواصر الصداقة والتلاحم بينها. فما المقصود بفهم الآخر? وكيف يمكنك كشخص طبيعي غير متخصص في علم النفس أن تفهم ما يعيشه الآخرون وما يشعرون به؟
تخيّل أنّك في الموقف التالي:
تمّ دعوتك أنت وجميع زملائك في العمل إلى حفل عشاء، ما عدا شخص واحد فقط. برأيك ماذا سيكون شعور هذا الشخص في حال علم أنّه لم يتمّ دعوته؟
- الغضب.
- الحزن.
- الألم.
- الاستبعاد.
- الحيرة.
- التوتر.
- الإحراج.
- اللامبالاة.
لا شكّ أنّك قد توصّلت إلى الإجابة من خلال وضع نفسك في مكانه، وتخيّل ما ستشعر به في حال كنت أنت الشخص الذي لم تتمّ دعوتك. ولعلّ الغالبية العظمى قد اختارت الإجابات الخمس الأولى، نظرًا لأنها الأكثر منطقية في مثل هذا الموقف.
تعدّ القدرة على تكهّن ما يشعر به الآخرون جزءًا ممّا يُعرف بالذكاء العاطفي، أو EQ اختصارًا. وهي مهارة يتمتع بها البعض ويفتقر إليها الكثيرون، لكنّها كغيرها من المهارات تتطوّر وتُكتسب بالممارسة.
لا أحد ينكر أهمية فهم الآخرين واستيعاب ما يشعرون به حيث أنّك وعندما تدرك ما يمكن أن يشعر به الآخرون إزاء موقف أو حدث معيّن، ستصبح أكثر قدرة على توجيه سلوكك وتصرفاتك لتتفاعل معهم بطريقة مناسبة تجنّبك إيذاءهم.
لنعد من جديد إلى مثال حفل العشاء، ونفترض أنّ هذا الشخص الذي لم تتمّ دعوته قد سألك: "هل ستذهب إلى حفل العشاء؟".
قد تكون إجابتك واحدة مما يلي:
- نعم سأذهب، ماذا عنك؟
- أجل سأذهب، أشعر بالسوء لإخبارك بهذا، هل حقًا لم يتمّ دعوتك؟
- أجل، فالجميع سيذهبون!
- نعم، سأذهب بالتأكيد، سيكون حفلاً مميزًا للغاية!
- أجل، أعتذر لأنك لست مدعوًّا، لكن لا أعتقد أن الأمر مقصود، ربما نسي منظّم الاحتفال إرسال دعوتك.
إن معرفتك بحقيقة عدم دعوة هذا الشخص أو جهلك بها سيؤثر بلا شكّ على ردودك. في حال كنت تجهل أنه مدعوّ، فعلى الأرجح ستجيب إمّا بـ 1، 3 أو 4، أمّا إن كنت تعرف أنه ليس مدعوًّا فإجابتك ستكون على الأغلب 2، أو 5.
اقرأ أيضًا: كيف أحل مشكلتي
مشاعر الآخر ولغة الجسد
تلعب لغة الجسد دورًا مهمًّا في معرفة معلومات حول شخص ما في موقف معيّن، حتى دون أن يقول هذا الشخص أيّ شيء. ومجدّدًا فهم لغة جسد الشخص الذي أمامك يؤثّر بشكل مباشر على ردودك، إذ تعتبر قراءة الإشارات التي يرسلها الآخرون عنصرًا أساسيًا من عناصر الذكاء العاطفي.
وحتى نفهم الأمر أكثر، لنعد مرة أخرى إلى مثال حفل العشاء. لو افترضنا أنّ هذا الشخص الذي لم تتم دعوته قد أتى إليك وملامح وجهه تنمّ عن الاستياء، ثمّ سألك: "هل ستذهب إلى حفل العشاء؟".
هنا ومن النظر إلى ملامح وجهه، ستدرك على الفور أنّ هذا الشخص يعلم بأنه لم تتمّ دعوته وبناءً عليه، ستختار كلماتك بعناية وقد تجيب عليه بالجملة رقم 2 أو 5.
أما إذا أتى إليك وإمارات السعادة مرتسمة على محيّاه، ستعرف في الحال أنّ هذا الشخص لا يعلم أنّه ليس مدعوًّا وهو لا يزال ينتظر أن تتمّ دعوته. هنا ستجد نفسك في صراع بين أن تخبره بالحقيقة أو أن تصمت، إنّك تدرك بينك وبين نفسك أنّه هو المسؤول عن إدارة مشاعره والتصرف على نحو معيّن عند معرفة الحقيقة، لكنك وفي حال كنت تتمتّع بمستوى ذكاء عاطفي جيّد، ستدرك أيضًا أنّ ردّك ذو أثر عظيم، قد يجعله يشعر بالدعم أو قد يزيد حاله سوءًا، فتختار كلماتك بعناية، بناءً على استنتاجك هذا.
اقرأ أيضًا: أسرار لغة الجسد وتعابير الوجه؟
ترجمة ردود الفعل
يساعدنا فهم مشاعر الآخرين على توقّع ردود أفعالهم حيال موقف معيّن، لكن العملية عكسية أيضًا، حيث تسهم ترجمة ردود الأفعال المختلفة على فهم المشاعر، وتوقّع السبب وراءها. وكلّما ارتفع مستوى الذكاء العاطفي، ازدادت القدرة على ترجمة ردود الفعل وفهمها وبالتالي التصرّف مع الغير بشكل أفضل.
لنأخذ مثالاً على هذا الأمر:
رأيت زميلة لك في العمل وقد أتت صباحًا بكامل نشاطها، والسعادة بادية على محيّاها. لكنّ الاستياء بدا جليًّا عليها مع نهاية النهار، حتى أنّها كانت على وشك البكاء. أيّ من هذه الاحتمالات تعتقد أنّه الأنسب لشرح حالها؟
- حصل بينها وبين إحدى صديقاتها خلاف، وهما لا تتحادثان الآن.
- حصلت على ترقية في العمل.
- تمّ تسريحها من العمل.
- أوكل إليها المدير العديد من المهام والمسؤوليات.
- إنها تمرّ بيوم سيء وحسب.
لاشكّ أنّك استبعدت الخيار الثاني على الفور، لأن منطق الذكاء العاطفي أخبرك أنّه من المستحيل أن يشعر أحدهم بالاستياء بعد الحصول على ترقية. كما أنّ الخيارين الرابع والخامس لا يبدوان منطقيين، فلو كانا صحيحين، سيبدو على الفتاة ملامح التعب والإرهاق، وليس الاستياء والرغبة في البكاء!
يبقى الخياران الأول والثالث وهما الأكثر منطقية من بين الاحتمالات المطروحة هنا.
يستطيع أولئك الذين يفهمون الآخرين تخيّل مشاعرهم وردود فعلهم تجاه موقف ما. ونجد أنهم قادرون على الربط بين المواقف والأسباب التي تدفع الآخرين إلى التصرف على نحو معيّن. الأمر الذي يجعلهم أكثر قدرة على بناء علاقات أفضل.
اقرأ أيضًا: ما هي مهارات الذكاء العاطفي التي يتميز بها الناجحون
كيف تطوّر مهارة فهم الآخرين؟
ليس من السهل توقّع مشاعر الآخرين أو فهمها. البعض يتقن هذا الفنّ، ونجد أنّهم ومن دون أن ننبس ببنت شَفه يفهمون تمامًا ما نشعر به، في حين أنّ البعض الآخر لا يلقِ بالاً للغير ولا فكرة لديه إطلاقًا عمّا يدور في داخل الشخص الذي أمامه.
إن كنت من الفئة الأولى، هنيئًا لك، أمّا في حال كنت تشعر بأنك غير قادر على فهم الآخرين، فلا تقلق، إذ يمكنك شحذ هذه المهارة وتحسينها بالتدريب والتمرين المستمر من خلال اتباع أيّ من الطرق التالية:
أولا: ابدأ بمراقبة سلوك الآخرين عن كثب
إذا رأيت يومًا شخصًا يتعثّر ويقع أرضًا، فإنك ومن دون وعي منك ستقول شيئًا يعبّر عن الألم مثل: "آي"، كما لو أنّك انت الذي تعثّرت. نحن نملك توجّهًا فطريًا للشعور بما يحسّ به الآخرون فقط من خلال مشاهدتهم. ويعتقد العلماء أنّ السبب وراء هذه الظاهرة بيولوجي في الواقع. إذ يؤكّدون أنّ هناك نوعًا من خلايا الدماغ تسمّى العصبونات المرآتية "Mirror Neurons"، والتي تنتج ردود فعل متماثلة سواءً عندما نشاهد شيئًا أمامنا أو عندما نقوم به بأنفسنا.
إن كنت ترغب في فهم الآخرين بشكل أفضل، حاول أن تراقب سلوكهم عن كثب من خلال تعزيز مهارات قوّة الملاحظة لديك.
كيف تفعل ذلك؟
حسنًا، يمكنك تجربة أيّ ممّا يلي:
1- انتبه لتعابير الأشخاص من حولك ولغة جسدهم
جرّب هذا الأمر في المرة المقبلة التي تذهب فيها إلى مركز التسوق أو المقهى أو حينما تجد نفسك في مكان يعجّ بالناس.
انظر لكلّ شخص وحاول أن تحزر ما يشعر به هؤلاء الأشخاص بناءً على تعابير وجههم أو لغة جسدهم أو ما يفعلونه. الفتاة التي تمسك كتابًا أو دفترًا قد تكون تدرس لامتحان ما، هل يبدو عليها التوتر؟ أم أنها واثقة من نفسها؟ ماذا عن ذلك الشاب الذي يغلق عينيه؟ هل يشعر بالراحة، بالتعب أم بالاستياء؟
مع التمرين المتواصل ستصبح أكثر قدرة على ملاحظة تغيرات لغة الجسد وتعابير الوجه وبالتالي تغيّر مشاعر الآخرين وفهمها بشكل أفضل.
اقرأ أيضًا: قوة الملاحظة: ما هي هذه المهارة وكيف أطورها؟
2- اقرأ الكتب أو شاهد الأفلام الواقعية
من خلال قراءة الكتب التي تتحدّث عن مشاعر الأشخاص وتصفها بالتفصيل، ومن خلال مشاهدة الأفلام والانتباه إلى الطريقة التي يمثّل بها الأشخاص، ستكتسب مع الوقت مهارة متميّزة في فهم الآخرين.
عند مشاهدة الأفلام، حاول أن تفهم السبب وراء شعور شخصية على نحو معيّن، وتنبّأ بما ستفعله شخصية ما في اللحظة التالية. أو حاول أن تفسّر السبب الذي دفع شخصية ما لفعل ما فعله.
اقرأ أيضًا: 15 فيلم تحفيزي سيغير نظرتك إلى الحياة!
ثانيا: كن مستمعا جيدا
يرتبط فهم الآخرين ومشاعرهم في الغالب بمدى حسن استماعهم للغير. كلّما استمعت بشكل أفضل لشخص ما، زاد شعورك بالارتباط معه وبقدرتك على فهم ما يشعر به.
الغالبية منا يصنّفون أنفسهم على أنهم مستمعون جيّدون، كون الاستماع أمرًا بسيطًا، لكننا ننسى أننا في معظم الأحيان ننشغل بالتفكير في ردّ مناسب نجيب به على محدّثنا، فلا نستمع إليه كما يجب.
كيف يمكنك إذن أن تصبح مستمعًا أفضل؟
من خلال القيام بأيّ ممّا يلي:
1- تدرّب على الاستماع على الحوارات اليومية
استمع إلى الحوارات اليومية التي تجري من حولك، وركّز اهتمامك وتفكيرك على الاستماع أكثر من من التفكير فيما ستردّ به على محدّثك.
2- لا تركّز على القصّة وحسب، فكّر في المشاعر
عندما يخبرك صديقك بقصة حدثت معه، تخيّل ما الذي شعر/ شعرت في تلك اللحظة. واستخدم عبارات توضّح مدى اهتمامك وبأنك تحاول فهم تجربة هذا الشخص مثل: " اوه، يبدو ذلك رائعًا!"، "لا شكّ أنّ هذا الأمر كان مزعجًا للغاية" وهكذا، مع تكرار هذه الطريقة، ستجد نفسك أكثر قدرة على التنبؤ بما سيقوله الآخرون أو بتصرفاتهم.
3- استمع إلى قصة مهمّة لأحد أصدقائك
تحدّث مع صديق لك أو أحد أفراد عائلتك، ودعه يخبرك عن قصّة ذات أهميّة خاصة له. مثلاً، اسأل جدّك أو جدّتك عن لحظة ميلاد أوّل طفل لهما، أو اسأل والديك عن قصّة تعارفهما على بعضهما البعض، دع صديقك المقرّب يخبرك عن أول يوم له المدرسة. خلال حديثهم حاول أن تتخيّل كيف كانت تلك التجربة بالنسبة لهم، واطلب منهم أن يخبروك المزيد عن شعورهم في تلك اللحظة وعن السبب الذي جعلهم يشعرون على نحو معيّن.
اقرأ أيضًا: ما هي مهارات الاستماع وكيف تطورها؟
ثالثا: حول فهمك إلى تعاطف
بعد أن تكتسب المهارات اللازمة لفهم الآخرين على نحو أفضل، لابدّ أن تعمل بعد ذلك على تطبيقها على أرض الواقع، لكن كيف ذلك؟
ببساطة، حوّل فهمك هذا إلى مشاعر تعاطف، بمعنى آخر، استعن بفهمك لمشاعر الآخرين في دعمهم ومساعدتهم. ويمكنك أن تكون أكثر تعاطفًا من خلال ما يلي:
1- اسأل الآخرين عمّا يحتاجونه
إذا كان لديك صديق أو شخص مقرّب يمرّ بظروف صعبة، اسأله ما الذي يمكنك فعله لمساعدته، وفي حال أجاب بأنه لا يعلم، فكّر بما ترغب به لو كنت مكانه وقدّم له أمرًا مشابهًا.
2- أظهر اهتمامك بالآخرين
احرص على أن تظهر اهتمامًا حقيقيًا بالآخرين، كن فضوليًا حول الأشخاص المقربين إليك، ليس بطريقة مزعجة وتطفلية بالطبع، ولكن بأسلوب يظهر أنّك ترغب في فهمهم بشكل أفضل. يمكنك على سبيل المثال سؤالهم عمّا يحبون القيام به، عن مشاعرهم وأفكارهم أو عن آرائهم حول أمر معيّن.
اقرأ أيضًا: ما هي مهارات التواصل وكيف يمكنك تطويرها
3- كن حسن الخلق
احرص على التمسّك بالأخلاق الدمثة، وابتعد عن كلّ ما يؤذي مشاعر الغير. على سبيل المثال، عندما تسمع شائعة أو استهزاءً بأحدهم، درّب نفسك على أن يكون ردّ فعلك الأول هو تخيّل نفسك مكان الشخص الذي يجري الحديث عنه. بهذه الطريقة، ستتمكّن من فهم مشاعر الآخرين وتتجنّب الخوض في مثل هذه الأحاديث.
لا تقلّل أبدًا من أهمية الأفعال مهما كانت بسيطة. فحتى أمر صغير مثل إلقاء التحية على شخص يجلس منفردًا في مطعم أو مقهى، قد يسهم في بناء روابط اجتماعية قويّة للغاية. كلمة شكر توجّهها لعامل النظافة في الشارع قد ترفع من معنوياته وتشعره بالتقدير، لا تستخفّ أبدًا بقوّة الكلمة الطيبة واحرص دومًا على أن تكون سببًا في رسم الابتسامة على أحدهم، من خلال مراعاة مشاعر الآخرين وفهمها بشكل صحيح.
المصدر: kidshealth
اقرأ أيضًا: ما هي مهارات الذكاء العاطفي التي يتميز بها الناجحون
اقرأ أيضًا: اقرأ أيضًا: ما هي مهارات تقبل الذات وكيف تطورها؟
اقرأ أيضًا: تعرف على مهارة التفتح الذهني وكيفية اكتسابها