كل ما تحتاج معرفته عن الاكتئاب الموسمي
مع حلول الشتاء، يراود البعض منا شعور بفقدان الشغف وإحساس بالتقصير أو أننا أقل من المستوى المطلوب، ويستمر هذا الشعور في التوحش بداخلنا حتى ندخل في حالة قاسية من تأنيب الذات والشعور بالاكتئاب. قد نعاني كذلك من التعب وضعف القدرة على التركيز وقلة النشاط ونقص الحافز خلال أشهر الشتاء. إذا كنت قد شعرت بذلك الشعور بشكل أو بآخر عند حلول فصل الشتاء، فقد تكون مُصابًا بما يُسمى بالاكتئاب الموسمي أو الاضطراب العاطفي الموسمي Seasonal Affective Disorder (SAD).
دورة مجانية عبر الانترنت: فهم القلق والاكتئاب والعلاج السلوكي المعرفي تعرف بصورة أعمق على القلق والاكتئاب وسبل علاجهما من خلال اتباع تقنيات العلاج السلوكي المعرفي عن طريق الالتحاق بهذه الدورة المجانية. سجل الآن
ما هو الاكتئاب الموسمي؟
الاكتئاب الموسمي هو نوع من الاكتئاب عادةً ما يصيب الأشخاص بسبب تغير في المواسم بصفة عامة، بعكس المعلومة الشائعة أنه مرتبط بفصل الشتاء فقط. وبالرغم من عدم ارتباطه بموسم مُعين، إلا أن حدة هذا الاكتئاب الموسمي تزداد أكثر في أواخر الخريف - ما يُعرف بالاكتئاب الموسمي الخريفي - أو أوائل الشتاء .
يؤثر الاكتئاب الموسمي على حياتك اليومية بشكل كبير، بما في ذلك ما تشعر به وما تفكر فيه، كما يؤثر أيضًا على نشاطك أثناء أداء المهام اليومية. فما هي أسباب الاكتئاب الموسمي وأعراضه؟ والأهم من ذلك, ما هي أفضل وسائل علاج الاكتئاب الموسمي؟
اقرأ أيضًا: 8 مشكلات يسببها تدني تقدير الذات وكيفية معالجتها
أسباب الاكتئاب الموسمي
من المعروف عن الاكتئاب الموسمي أنه أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب ثنائي القطب، وخاصةً الاضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني، والذي يرتبط بنوبات الهوس والاكتئاب المتكررة. بالإضافة إلى ذلك، عادةً ما يعاني الأشخاص المصابون بالاكتئاب الموسمي من اضطرابات عقلية ونفسية أخرى، مثل اضطراب نقص الانتباه، اضطراب فرط النشاط، اضطراب الأكل، واضطراب القلق أو اضطراب الخوف المُبالغ فيه.
في حين أنه لا يوجد حتى الآن أسبابٌ حقيقيةً مُثبتة وراء الاكتئاب الموسمي، إلا أن بعض العلماء والباحثين في مجال الطب النفسي يرَوْنَ أن بعض الهرمونات التي تُفرز في أعماق الدماغ بسبب تغير المناخ تؤدي إلى تغيرات نفسية كبيرة، ويعتقدون أن الاكتئاب الموسمي قد يكون مرتبطًا بهذه التغيرات الهرمونية.
تقول إحدى النظريات أن قلة ضوء الشمس خلال فَصلَيْ الخريف والشتاء تؤدي إلى إنتاج كمية أقل من مادة السيروتونين، وهي مادة كيميائية تساهم في تحسين الحالة المزاجية واستقرار معدلات النوم، ولذلك فإن نقصها يؤدي إلى الشعور بالاكتئاب. يرجع ذلك إلى نقص فيتامين (د) الذي يعزز دوره نشاط السيروتونين. فبالإضافة إلى فيتامين (د) المُستهلك مع النظام الغذائي، ينتج الجسم فيتامين (د) أيضًا عند تعرض الجلد لأشعة الشمس. لذلك، مع انخفاض ضوء النهار في الشتاء، يكون لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب الموسمي مستويات أقل من فيتامين (د)، مما يعيق نشاط السيروتونين بشكل أكبر.
بالإضافة إلى ذلك، عندما لا تعمل مسارات الخلايا العصبية في الدماغ بشكل منتظم - وهو الأمر الذي يحدث للبعض في الشتاء بسبب خمول الوظائف الحيوية في الجسم - يمكن أن يؤدي ذلك إلى الشعور بالاكتئاب، إلى جانب أعراض التعب وزيادة الوزن.
اقرأ أيضًا: كيف تتغلب على مخاوفك ؟
أعراض الاكتئاب الموسمي
يمكن أن يؤثِر الاكتئاب الموسمي على كل شيء بدءًا من الصحة الجسديَة والعقلية إلى الإنتاجيَة في العمل والحياة الاجتماعية. كثيرًا ما يعاني الشخص المصاب بالاكتئاب من تغيرات في المزاج واضطراب في النوم لأن الجسم لا يفرز الهرمونات والمواد الكيميائية المسؤولة عن تحسين المزاج واستقرار النوم بشكل منتظم وبالمعدل المطلوب.
وعليه، من المهم جدًا أن تكون على درايةِ بالأعراض التي تصاحب الاكتئاب الموسمي حتى تتمكن من التغلب عليها والتخلص منها في حالة تعرضت لها أنت أو أحد أفراد أسرتك.
قد تشمل علامات وأعراض الاكتئاب الموسمي ما يلي:
الشعور بالفتور أو الحزن أو الإحباط معظم اليوم (كل يوم تقريبًا).
فقدان الاهتمام بالأنشطة التي طالما كنت تستمتع بها من قبل.
انخفاض الطاقة والشعور بالخمول.
وجود مشاكل في النوم والمعاناة من النوم المتقطِع لفترات طويلة.
صعوبة في التركيز.
الرغبة في الانعزال وعدم الانخراط في أي أنشطة اجتماعية.
الشعور باليأس أو انعدام القيمة أو الإحساس بالذنب.
الرغبة الشديدة في تناول الكربوهيدرات والإفراط في تناول الطعام مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الوزن.
ثقل في الذراعين والساقين.
فقدان الشغف تجاه أي شئٍ في الحياة.
ومع ذلك، لا يعني وجود بعض هذه الأعراض أنك مصابٌ بالاكتئاب الموسمي. وبالمثل، ليس كل من يعاني من الاكتئاب الموسمي يعاني من كل هذه الأعراض. قد يكون من الصعب جدًا تشخيص الاكتئاب الموسمي، حيث لا يمكن تشخيصك بهذا الاضطراب إلا إذا كنت تعاني من نفس الأعراض خلال فصل الشتاء لمدة عامين على الأقل.
قد تكون كذلك مُصابًا بالاكتئاب الموسمي إذا تعرضت على مدار عامين متتاليَيْن للآتي:
الاكتئاب أو الهوس الذي يبدأ وينتهي خلال تغير المواسم.
لم تشعر بالأعراض السابق ذكرها طوال فترة الموسم المناخي وبدأت تشعر بها فقط عند انتهاء الموسم وبداية الموسم الجديد.
على مدار حياتك، مررت بعدد كبير من المواسم التي عانيت فيها من هذه الأعراض أكثر بكثير من تلك التي لم تعاني فيها من تفس الأعراض.
أحيانًا، قد يستغرق تشخيص الاكتئاب الموسمي بعض الوقت لأنه يمكن أن يحاكي حالات أخرى مثل متلازمة التعب المزمن أو قصور الغدة الدرقية أو انخفاض نسبة السكر في الدم أو الأمراض الفيروسية أو اضطرابات المزاج الأخرى.
في المُجمل، إذا لاحظت أيًا من هذه الأعراض والاضطرابات في نفسك أو في أحد أفراد أسرتك، فاذهب إلى طبيب مختص للتأكُد ولا تقم أبدًا بتشخيص نفسك.
حتى مع التقييم الشامل من الطبيب المتخصص، قد يكون من الصعب أحيانًا عليه تشخيص الاكتئاب الموسمي بسبب تشابهه مع أنواع أخرى من الاكتئاب وحالات الصحة العقلية التي يمكن أن تسبب أعراضًا مشابهة. لذلك، لتشخيص الاكتئاب الموسمي بشكل فعال، يتضمن التقييم الشامل بشكل عام ما يلي:
اختبار بدني: يقوم مقدم الرعاية الصحية الخاص بك بإجراء فحص جسدي وطرح أسئلة تشخيصية حول صحتك. في بعض الحالات، قد يكون الاكتئابُ مرتبطًا بمشكلة صحية جسدية من الأساس.
فحوصات مخبرية: على سبيل المثال، قد يقوم الطبيب بإجراء فحص دم يُسمى تعداد الدم الكامل (CBC) أو اختبار الغدة الدرقية للتأكد من أنها تعمل بشكل صحيح.
التقييم النفسي: للتحقق من علامات الاكتئاب، يسأل الطبيب النفسي أو أخصائي الصحة العقلية عن الأعراض والأفكار والمشاعر وأنماط السلوك. قد يطلب الطبيب من المريض ملء استبيان للمساعدة في الإجابة على هذه الأسئلة.
اقرأ أيضًا: 7 طرق لتكون سعيدا حتى في أصعب الظروف
علاج الاكتئاب الموسمي
يشمل علاج الاكتئاب الموسمي العلاج بالضوء والعلاج النفسي والعلاج بالأدوية. يتوقف ذلك على إذا ما كان المريض مُصابًا بأمراض نفسية أو عقلية أخرى مثل اضطراب ثنائي القطب، حيث يأخذ الطبيب ذلك في الاعتبار عند وصف العلاج بالضوء أو بمضادات الاكتئاب.
1- العلاج بالضوء
في العلاج بالضوء، يجلس المريض على بعد مسافة قصيرة من صندوق إضاءة خاص بحيث يتعرض لضوء ساطع مشابه للضوء الذي نتعرض له خلال الساعة الأولى من الاستيقاظ كل يوم. يحاكي هذا الضوء ضوء الشمس الطبيعي في الهواء الطلق ويساعد في زيادة نسبة فيتامين (د) في الجسم كما أنه يسبب تغيرًا في المواد الكيميائية في الدماغ المرتبطة بالحالة المزاجية، مما يساهم في التخلص من الاكتئاب الموسمي مع الوقت.
يُعتبر العلاج بالضوء أحد علاجات الخط الأول للاكتئاب الموسمي، ويبدأ تأثيره بشكل عام في غضون أيام قليلة وقد يصل إلى بضعة أسابيع ويسبب آثارًا جانبية بسيطة جدًا. على الرغم من أن العلاج بالضوء ليس شائعًا في الأوساط العلاجية، ولكنه أثبت فعالية كبيرة بالنسبة لمعظم الناس في تخفيف أعراض الاكتئاب الموسمي.
إذا كنت لا ترغب في زيارة عيادة الطبيب بشكل يومي للتعرض للصندوق الضوئي، يمكنك شراؤه واستخدامه في منزلك. لكن عليك قبل أن تشتري صندوقًا ضوئيًا أن تتحدث مع مقدم الرعاية الصحية الخاص بك عن الأفضل بالنسبة لك، وأن تتعرف على مجموعة متنوعة من الميزات والخيارات حتى تتمكن من شراء منتج عالي الجودة وآمن وفعال. لا تنسَ أيضًا أن تسأل عن كيفية ووقت استخدام صندوق الضوء.
2- العلاج النفسي
يُعد العلاج النفسي - الذي يُطلق عليه أيضًا العلاج بالكلام - خيارًا آخر لعلاج الاكتئاب الموسمي. يوجد أنواع كثيرة من طرق العلاج النفسي من أبرزها ما يُسمى بالعلاج المعرفي السلوكي. يساهم العلاج السلوكي المعرفي في تقليل تأثير الاكتئاب الموسمي بشكل كبير حيث يمكن أن يساعدك على:
تعلُم طرقٍ صحيَة للتعامل مع الاكتئاب الموسمي، خاصةً مع تقليل سلوك التجنب وتفعيل سلوك المواجهة.
تحديد وتغيير الأفكار والسلوكيات السلبية التي قد تجعلك غير راضٍ عن نفسك.
تعلُم كيفية التعامل مع التوتر والتحكم فيه.
بناء سلوكيات صحية، مثل زيادة النشاط البدني وتحسين أنماط نومك.
اقرأ أيضًا: 7 طرق يتمكن بها عقلك من خداعك
3- العلاج بالأدوية
قد يحتاج بعض الأشخاص المصابين باضطراب الاكتئاب الموسمي إلى علاج مضاد للاكتئاب، خاصةً إذا كانت الأعراض شديدة. في هذه الحالة، لا يؤدي العلاج بالضوء أو العلاج النفسي الغرض المطلوب ويصبح العلاج بالأدوية الحلّ الوحيد للتخلص من الاكتئاب أو تقليل حدته.
أحيانًا، قد يوصي الطبيب النفسي ببدء العلاج بمضادات الاكتئاب حتى قبل أن تبدأ الأعراض كلّ عام. قد يوصي أيضًا بالاستمرار في تناول مضادات الاكتئاب إلى ما بعد الوقت اختفاء الأعراض.
ضع في اعتبارك أنّ الأمر قد يستغرق عدة أسابيع لملاحظة الفوائد الكاملة لمضادات الاكتئاب. بالإضافة إلى ذلك، قد تضطر إلى تجربة العديد من الأدوية المختلفة حتى تجد الدواء المناسب لك الذي يسبب أقل آثار جانبية ممكنة.
4- تحسين نمط الحياة
بالإضافة إلى خطة العلاج التي تتبعها لعلاج الاكتئاب الموسمي، يمكنك اتباع العادات الآتية للوقاية من أي نوع من أنواع الاكتئاب:
اجعل بيتك أكثر إشراقًا. قم بفتح الستائر أثناء النهار وقصّ أغصان الأشجار التي تحجب ضوء الشمس عن البيت. احرص كذلك على الجلوس بالقرب من النوافذ المشرقة أثناء تواجدك في المنزل أو في المكتب.
اقضِ وقتًا أطول خارج المنزل، حيث يمكنك المشي لمسافات طويلة وتناول الغداء في مطعم قريب أو الجلوس على مقعد والاستمتاع بأشعة الشمس. حتى في الأيام الباردة أو الملبدة بالغيوم، يمكن أن تكون إضاءة النهار البسيطة مصدرًا كافيًا لفيتامين (د) - خاصة إذا كنت تقضي بعض الوقت في الخارج مباشرةً بعد ساعتين من الاستيقاظ في الصباح.
احرص على ممارسة الرياضة بانتظام، حيث تساعد التمارين الرياضية على تخفيف التوتر والقلق، اللذان يسهمان في زيادة أعراض الاكتئاب الموسمي.
يجب أن تعمل على تحسين علاقاتك الاجتماعية مع من حولك حيث سيساهم ذلك بشكل كبير في تحسين شعورك تجاه نفسك، مما يؤدي بدوره إلى تحسين الحالة المزاجية.
احرص على أن تنال قسطًا كافيًا من النوم. حدد أوقاتًا ثابتة كل يوم للاستيقاظ والنوم، وتجنب السهر أو الإفراط في النوم خاصةً في بداية الخريف والشتاء.
مقالات تطوير الذات اقرأ المزيد من المقالات المميزة في مجال التحفيز وتطوير الذات على منصّة تعلّم. تصفح جميع المقالات
من المؤكد أن التحلِي بالشغف والنشاط أثناء أداء المهام اليومية، شرط أساسي لتحظى بحياة مزدهرة ومليئة بالنجاح. وعلى النقيض، فإنَ الاكتئاب المتمثِل في فقدان الشغف وعدم الرغبة في فعل أي شيء هو العدو الأوَل لطموحاتك وأحلامك، فاحذر دومًا من الوقوع في شباك هذا العدو. إذا كنت تشعر بالاكتئاب والإرهاق النفسي وعدم الرضا عن نفسك مع تغير المواسم وخصوصًا مع حلول فصل الشتاء من كل عام، فقد يكون لديك شكل من أشكال الاكتئاب الموسمي. في هذه الحالة، لا تترك نفسك فريسةً سهلةً للاكتئاب وتحدث مع طبيب نفسي مختصٍ عن كل ما تشعر به، واتبِع توصياته لتغيير نمط حياتك للأفضل.
بعد قراءة هذا المقال، هل تعتقد أنك مررت بأعراض الاكتئاب الموسمي من قبل؟ وما هي الطرق التي اتبعتها للتغلب عليه؟ شاركنا تجربتك في التعليقات، ولا تنسَ التسجيل في الموقع ليصلك كل جديد من المقالات المفيدة والممتعة.
المصادر: mayoclinic.org, clevelandclinic.org, hopkinsmedicine.org
اقرأ أيضًا: 13 حقيقة سيكولوجية قد تغيّر نظرتك عن نفسك!