قوة الملاحظة: ما هي هذه المهارة وكيف أطورها؟
هل سبق لك أن التقيت بشخص يمتلك تلك القدرة على معرفة بالضبط ما يحتاجه الآخرون؟ أو يستطيع معرفة جوهر مشكلة أو تحدٍّ ما من خلال طرح سؤال واحد فقط؟
هل تعرف شخصًا يستطيع التنبؤ بمشكلة ما بمجرّد إلقاء نظرة واحدة على شيء محدّد؟ تأتي جميع هذه القدرات من مهارة قيّمة واحدة، ألا وهي قوّة الملاحظة.
ما هي هذه المهارة؟ وما الذي بوسعها أن تقدّمه لك حينما تمتلكها؟ هذا ما سنجيب عنه في مقالنا اليوم.
ما هي مهارة قوّة الملاحظة؟
قوّة الملاحظة هي تلك القدرة على ملاحظة التفاصيل الدقيقة والخفية التي تتيح لصاحبها إدارة المواقف بحذر أكبر وبالتالي بحكمة وتأنٍ.
يتمّ أحيانًا الخلط بين قوّة الملاحظة critical observation وبين التفكير النقدي critical thinking نظرًا لتشابه التسميتين في اللغة الإنجليزية، غير أنّ المصطلحين مختلفين عن بعضهما البعض، فالتفكير النقدي ينطوي على المهارات التي تتيح للفرد تحليل المواقف والمعلومات من حوله من أجل الوصول إلى نتيجة معيّنة. في حين تتضمّن قوّة الملاحظة، عملية قراءة أشخاص أو مواقف أو عمليات معيّنة لاستخلاص معلومة محدّدة منها. حيث يتمكّن أصحاب الملاحظة القويّة في الغالب من رؤية تفاصيل يغفل عنها الآخرون.
مهارات قوّة الملاحظة وأهميتها
تعتبر قوّة الملاحظة من أهمّ المهارات المرنة التي يشجّع أرباب العمل موظفيهم على امتلاكها نظرًا لما لها من أثر إيجابي على الإنتاجية والأداء. فيما يلي بعض من إيجابيات امتلاك هذه المهارة في بيئة العمل:
1- القدرة على تحديد ما يجب فعله أو تجنّبه
يسهم امتلاك مهارات قوّة الملاحظة في جعل الفرد أكثر انتباهًا على ما يحيط به بدلاً من التركيز على المهمّة التي بين يديه وحسب، الأمر الذي يجعله أكثر قدرة على اتخاذ القرارات السليمة وتحديد ما يجدر به فعله وما يجب تجنّبه بناءً على الظروف المحيطة.
2- تعزيز عملية التعلّم
تسهم مهارات مهارات قوّة الملاحظة في الوصول إلى مرحلة التعليم المعزّز، بمعنى آخر تصبح عمليّة التعلّم أكثر كفاءة، نظرًا لأن الشخص الذي يمتلك مهارات قوية في الملاحظة والذي ينتبه لأدق التفاصيل سيكون أكثر قدرة على فهم المهارات والمعلومات التي تصل إليه وبالتالي يحصد نتائج أفضل في عملية التعلّم.
3- الخروج من الروتين اللاواعي
كثيرون من يقومون بأعمالهم اليومية بلا وعي، نظرًا لأنها أصبحت شيئًا روتينيًا بحتًا. وعلى الرغم من كون هذا الأمر جيدًا على مستوى العادات الإيجابية، إلاّ أنّه قاتل في عملية التعلّم والعمل، فهو يحول بين الفرد وبين التطور والارتقاء بمهاراته، لذا تعتبر قوّة الملاحظة والانتباه إلى التفاصيل من أهمّ المهارات التي تساعد الشخص على الخروج من الروتين اللاواعي والبدء بالقيام بالأمور المختلفة عن وعي وانتباه وبالتالي تحقيق التطور المستمر.
4- التركيز على الآخرين بدلاً من التفكير في الذات
عندما يكون الفرد قويّ الملاحظة، فهو على الأرجح يركّز على الآخرين بدلاً من التركيز على نفسه، الأمر الذي يطوّر مهاراته في الاستماع والتواصل، فيصبح أكثر قدرة على معرفة ما يحتاجه الآخرون وبالتالي تقديم ما يناسبهم من خدمات. سواءً كان ذلك مساعدة تطوّعية أو جزءًا من المهام الوظيفية في مكان العمل.
قوّة الملاحظة في الحياة اليومية
قد يكون من الصعب أحيانًا التعرّف على مهارات قوّة الملاحظة في الحياة اليومية، وأثرها في تحقيق التطور الوظيفي على مستوى الأشخاص والشركات. لكن لنلقِ نظرة على المثال التالي حتى نفهم مدى أهميّة هذه المهارة:
لنفترض أنّ أحد الموظفين في شركة ما، يواجه وقتًا عصيبًا في تسليم المهام المطلوبة منه في الوقت المناسب، لكنه مع ذلك يتميّز بتقديم جودة عالية في عمله. في هذه الحالة، سيحاول المدير التقليدي الذي قد يفتقر إلى قوّة الملاحظة، تحفيز هذا الموظف من خلال نظام المكافآت أو تهديده بالخصومات أو أيّ نوع آخر من العقوبات ليحمله على تسليم العمل في الوقت المناسب. أما في حال لم يلتزم هذا الموظف فقد يضطر المدير إلى فصله على الرغم من جودة أدائه.
لكن، لنتخيل الموقف مرّة أخرى، مع مدير يتميّز بقوّة ملاحظة حادّة. قد ينتبه هذا المدير إلى أنّ الموظف يواجه مشكلة في الالتزام بالمواعيد النهائية التي تكون في الأسبوع الثالث من كلّ شهر. ومن خلال طرح بعض الأسئلة الدقيقه، قد يكتشف المدير أن هذا الموظف منفصل عن زوجته، ويعتني بطفله لأسبوع واحد كلّ شهر (وهو الأسبوع الثالث في الشهر).
من خلال الوصول إلى هذه النتيجة، سيتعامل المدير مع الأمر بكفاءة أكبر، فيحرص على إعطاء المهام لهذا الموظف أبكر من المعتاد، أو يمنحه خيار العمل من المنزل في بعض الأيام. بدلاً من اللجوء للتهديد والضغط اللذان قد يؤديان إلى التسبب بخسارة شخص كفؤ ذو مهارات عالية.
تذكّر أنّ هذا المدير لم يمتلك هذه المهارة بالفطرة، وإنما اكتسبها مع مرور الوقت من خلال التمرين والتدريب المستمرين.
كيف أطور مهاراتي في الملاحظة؟
بعد التعرّف على مهارات الملاحظة القوية والانتباه للتفاصيل، والاطلاع على مميزاتها وأثرها في تحقيق النجاح، لابدّ أن تبدأ إذن بالعمل على تطويرها وتعزيزها، وفيما يلي بعض الخطوات البسيطة التي تساعدك على ذلك:
1- تمارين التأمل
احرص على ممارسة تمارين التأمل بشكل منتظم. اجلس كلّ صباح بوضعية مريحة، أغلق عينيك وركّز على عملية تنفّسك. ابقَ على هذه الحال لخمس دقائق فقط.
حينما تقوم بهذا التمرين لأول مرّة، ستلاحظ كمًّا هائلا من الأفكار تتدافع في رأسك، لا تقلق بشأنها، ودعها تتهادى أمامك، لكن، ومع تكرار هذا التمرين بشكل يومي، ستلاحظ أنّ عدد الأفكار في تراجع، وبعد بعض الوقت ستصل إلى مرحلة الفراغ الذهني دون أيّ أفكار مزعجة.
الوصول إلى هذا المرحلة سيمنحك قدرة أكبر على التركيز ويجعل العمليات الذهنية التي تجري في عقلك أسرع الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تطوير قدرتك في الملاحظة والانتباه إلى التفاصيل.
2- اجلس في مكان عام ودوّن ملاحظاتك
خصّص بضعة دقائق خلال اليوم للجلوس في حديقة عامّة، مكتبة أو مركز تجاري وتأمل الناس من حولك. انتبه لما يرتدون من ثياب، كيف يسيرون وكيف يتفاعلون مع غيرهم؟
دوّن هذه التفاصيل وغيرها ممّا يحيط بك من مشاهد: عمليات البناء في الشارع المقابل، السيارات المتزاحمة، المحلات التجارية، وغيرها. اكتب جميع هذه الأمور بالإضافة إلى وصف ما ينتابك من مشاعر اتجاهها، ستجد قدرتك على الملاحظة قد تطوّرت مع مرور الوقت.
3- تناول طعامك بوعي
بدلاً من تناول غدائك على مكتبك أثناء العمل، احرص على أن تحصل على وجبة واحدة يوميًا على الأقل بعيدًا عن أي ملهيات حتى الحديث. تناول طعامك بمفردك، ببطء وتأنٍ، ولاحظ رائحته، طعمه وما تشعر به حينما تمضغه. يساعدك هذا التمرين في زيادة تركيزك على الأمور المسلّمة التي لا يوليها الآخرون أهمية في العادة، ويرفع من قدراتك في ملاحظة التفاصيل الخفية.
4- استغلّ وقت الترفيه بذكاء
من الجميل أن تسرح بوعيك بعيدًا أثناء الاستماع إلى أغنيتك المفضّلة أو خلال مشاهدة فيلم معيّن. لكن من الممتع أحيانًا أن تستغلّ فترة الترفيه هذه في اختبار مهاراتك في الملاحظة. فكّر في السبب وراء كلمات الأغنية، أو الدافع وراء تصوير مشهد ما بهذه الطريقة بالذات. لاحظ أثر هذا التمرين على قدراتك في الانتباه إلى التفاصيل وتمييز مشاعر الآخرين وردود فعلهم التي قد لاينتبه إليها الأغلبية.
5- ركّز على الأنماط المختلفة من حولك
الملاحظة أمر رائع، وكلّما مارستها أكثر ازدادت قوّة. لكنها تغدو أفضل كلّما ركّزت أكثر على الأنماط من حولك. فالملاحظات العشوائية جيدة لكنها لن تفيدك كثيرًا على الصعيد الفكري والإبداعي، بعكس ملاحظة الأنماط التي تتيح لك معرفة آلية عمل الأشياء من حولك وبالتالي التنبؤ بما سيأتي، أو بالأمور الخفية التي قد لا يعلمها الآخرون.
على سبيل المثال، يمكنك مثلاً ملاحظة تصرّفات شخص معيّن على المدى الطويل، ومن ثمّ اكتشاف نمط معيّن في لغة جسده، كأن يحكّ أحدهم أنفه كدليل على التوتر، أو يقوم بحركة ما بيده عندما يغضب. وهكذا ستجد نفسك قادرًا على التنبؤ بما سيفعله أو يقوله هذا الشخص في المواقف المختلفة.
حاول دومًا العثور على هذه الأنماط من حولك وتعريفها، وراقب مدى تقدّمك في هذا المجال وأثره في التعرّف على حاجات الآخرين وفهمها.
6- تحدّ نفسك لملاحظة الأشياء الجديدة من حولك
قد يكون من السهل اتخاذ القرار بملاحظة الأشياء الجديدة من حولنا، لكن من الصعب بمكان تطبيق هذا الأمر على أرض الواقع. لا يمكنك القول فجأة: "سأرى العالم بعيون جديدة" وتتوقع بعدها أن يحصل ذلك حقًا. لابدّ لك من أن تتحدّى نفسك للقيام بهذا الأمر. إليك بعض الأفكار البسيطة التي تساعدك في تحقيق هذا الهدف:
- اختر شيئًا ما وركّز على البحث عنه، قد يكون ذلك أي شيء يخطر ببالك: نوافذ مكسورة، كاميرات مراقبة،رسومات جدارية لفنان محدّد...الخ. عندما تعثر على هذا الشيء، التقط له صورة، أو دوّن مكان عثورك عليه، ثم حاول أن تفكّر في السبب وراء وجوده في هذا المكان بالذات.
- تابع الأخبار المحلية أو اقرأ الجريدة المحلية: فهي وسيلة رائعة للتعرّف على مدينتك وحيّك، وسوف تجعلك أكثر انتباهًا للتفاصيل من حولك. كما تعرّفك على الكثير من الأمور الجديدة التي تحدث من حولك يوميًا.
- تمشّى مع خبير في مجال محدّد: لا شكّ أنّك تملك صديقًا أو قريبًا يمتلك هوايات أو يعمل في وظيفة مختلفة عنك. لا تتردّد في الذهاب في جولة معه ورؤية العالم من منظوره، ستكتسب بلا شكّ نظرة جديدة ومختلفة للمحيط من حولك.
- قم بجولة صوتية: قد يبدو هذا المصطلح غريبًا وسخيفًا للغاية، لكنه سيحفّز بلا شكّ مهاراتك في الملاحظة. كلّ ما عليك فعله هو التركيز على الأصوات من حولك أثناء سيرك في المدينة أو في طريقك إلى العمل. حاول التعرّف على الأصوات المختلفة وتمييز أنواعها ومصدرها.
- تحدّي الـ 365 يومًا: تتمحور الفكرة الأساسية لهذا التحدّي حول التقاط صورة لمكان أو شيء ما لمدة سنة كاملة. هنالك بعض التطبيقات على شبكة الإنترنت التي تقدّم لك رزنامة كاملة لهذا التحدي، حيث يتمّ إرسال تنبيه كلّ يوم لالتقاط صورة شيء أو مكان ما. وهكذا فهذا التحدّي يحفّزك على البحث والنظر إلى أماكن لم تكن تولي أيّ اهتمام لها من قبل، ممّا يسهم في تعزيز قوّة ملاحظتك، وانتباهك للتفاصيل.
أيّ هذه الأفكار لفتت انتباهك وأشعرتك بالحماس لتجربتها؟ ما هي الأمور الأخرى التي تعتقدون أنها قد تساعدكم في تطوير مهاراتكم في الملاحظة؟ شاركونا إياها من خلال التعليقات، ولا تنسوا التسجيل في موقعنا ليصلكم كلّ جديد.
المصادر: lifehacker، ej4، thepersonalityboss
اقرأ أيضًا: 11 عادة صحية يقوم بها الأشخاص المبدعين صباحاً
اقرأ أيضًا: ما هي مهارات الذكاء العاطفي التي يتميز بها الناجحون
اقرأ أيضًا: ما هي مهارات التواصل وكيف يمكنك تطويرها