قصص قصيرة من التراث العربي
تمّ إعداد هذا المقال من قبل: سارة علي
التراث القصصي تراث له قيمته وأهميته في كشف مجاهل النفس الإنسانية وفي إشاعة روح التقارب والتعاطف بين الأمم والشعوب؛ حيث أنه يصور غرائزها وعواطفها المشتركة ثم يتطرق للمعتقدات والمقدسات التي سيطرت على هذه الأمم والشعوب وظلّت متعلقة بها إلى اليوم.
ومما لا يستطيع أحد اليوم إنكاره هو أن هذه القصص البسيطة التي توارثناها ضمن مجتمعاتنا أصبحت مرجعًا للكثير كل في مجال اختصاصه، فيعتمد النفسانيون على هذا التراث في تحاليلهم النفسية لطبيعة النفس البشرية، بينما يعتمد الاجتماعيون عليه في توضيح وتبسيط طبيعة العلاقات الاجتماعية ومستوى التجاوب الاجتماعي لمجموعة من القضايا المختلفة، ولا ننسى علماء اللغة الذين حاولوا اتخاذ من هذا التراث القصصي مادة لدراسة تطور اللغة وتنوع كلماتها الدالة على عدة من المسميات والمعاني.
قصص قصيرة اقرأ المزيد من القصص القصيرة المعبرة المتاحة على موقع فرصة.كوم. تصفح جميع القصص
من ناحية أخرى فإنه يمكننا القول أن القصص المتوارثة القصيرة نشأت ممّا يُعرف بالـ “حدوته"، والتي تعتبر عملًا فطريًا تم اختراعه بدافع غريزة البقاء أكثر من كونه عملًا فكريًا أو منطقيًا؛ وذلك لكونها وُجدت في سبيل التحذير والتخويف من الضرر والمخاطر وتوجيه الأوامر والنواهي. وبالتالي فإن القصص القصيرة التي نتوارثها تعدّ في أصلها عملًا تربويًا قامت به البشرية منذ قديم الأزل وأكثر من كونها مجرد أقوال لتمضية الوقت أو لقصّها على الصغار قبل موعد نومهم. ونستعرض فيما يلي مجموعة من القصص المشوقة القصيرة التي نقلناها لكم من تراثنا العربي.
4 قصص عربية قديمة تراثية
إليك مجموعة من القصص العربية القديمة المشهورة من التراث:
- القصة الأولى: من عمود إلى عمود
- القصة الثانية: بردعة من أفخر ملابس الأمير
- القصة الثالثة: صداقة الدموع
- القصة الرابعة: بعر السويس ولا تمر بلبيس
القصة الأولى: من عمود إلى عمود
غضب أحد الملوك الظالمين على شيخ من الصالحين اعتاد أن يواجهه بكلمة الحق وأن يعلن رأيه الصريح في تصرفاته المشينة ضد الشعب.. وكان الملك إذا ما غضب على أحد من رعيته اختار له صنفًا واحدً من الطعام ليعيش عليه قبل أن يلقيه في السجن حتى يسأم الحياة ويغادرها دون أن يتناول صنف طعام آخر؛ ولأن النفس البشرية لا تستطيع الصبر على طعام واحد فيذبل المسجون ويتهاوى من الضعف والسأم حتى يموت. وحينما غضب الملك على الشيخ الصالح طلب منه أن يختار طعامًا واحدًا ليعيش عليه.
وكان الشيخ يعرف أن الله امتحن بني إسرائيل بالصبر على طعام واحد فعجزوا، ولهذا اختار أن تُقدم إليه رؤوس الضأن، فلحم رأس الضأن يحتوي على أصناف من اللحم مختلفة المذاق، وبهذا يتفادى من السأم الذي يكون من تناول طعام واحد، ودخل الشيخ السجن وعاش على رؤوس الضأن.
ومضت سنوات والملك سادر في ظلمه والشيخ صابر في سجنه.. وفجأة! تذكر الملك الشيخ السجين وعجِب: "كيف لا يزال هذا الشيخ على قيد الحياة مع أن الذين سبقوه إلى السجن لم يستطيعوا أن يصبروا على طعام واحد وماتوا بعد شهور، ولكنه عاش لسنوات؟!"
وتملّك الغيظ الملك وأرسل في طلب السجان الموكل بحراسة الشيخ وسأله عن حاله، فقال السجان: إنه في صحة جيدة ويقضي وقته كله في الصلاة والعبادة وتلاوة القرآن، فسأله الملك: ألم يطلب منك شيئًا أو يحدثك عن شيء؟.. ليرد السجان قائلًا: كلا فقد عشان الشيخ في السجن طوال السنوات الماضية لم أسمعه يتكلم كلمة واحدة، ولكنه بالأمس طلب مني أن أنقل فرشته من جوار العمود الذي كان يجلس بجانبه إلى جانب عمود آخر..
فزجر الملك في غيظ، وصاح في غلظة: هذا لا يمكن أبدًا.. وخذ هذه الفروة وقدمها إليه. وحمل السجان الفروة وقصد إلى الشيخ وأخبره: هذه الفروة مرسلة إليك من الملك.. وما كان من الشيخ إلا أن يبستم بوداعة وهدوء، ويتناول مسمارًا كان بجانبه قائلًأ للسجان: إنني قبلت هدية الملك، ورجائي أن تذهب إليه وتقدم هذا المسمار.
واستجاب السجان لرجاء الشيخ، وحمل المسمار إلى الملك، وما كاد الملك يتناول المسمار من السجان حتى تخاذل في مكانه، وعلا وجهه الوجوم، وصاح في حشرجة: أفرجوا عن المظلوم!
وأقبل الذين في بطانة الملك يسألونه عن السر في هذا التغيير المفاجئ، فقال: لقد وعظني هذا الشيخ عظة بالغة، وكشف لي عن حقيقة الحياة.. فقد طلب من السجان أن ينقل له الفرشة من عمود لعمود وهو يشير بذلك إلى القول المأثور "يأتي الله بالفرج " فأرسلت إليه مع السجان فروة وأنا أعني أن أقول له: "لو كان عمرك عدد شعر هذه الفروة من سنين فلن تخرج من السجن".. فكان رده على ذلك بأن يبعث بمسمار ليقول لي: "وهل سمرت الفلك عن المسير وأخذت عهدًا على الدهر بالجمود"؟ ومن الذي يستطيع أن يمسك الفلك عن المسير مهما يكن من القوة والجبروت؟
أقرأ أيضاً: كيف تتعامل مع ضغوط العمل بطريقة صحيحة؟
اقرأ أيضًا: اقتباسات أرسطو الشهيرة لتحفيز تفكيرك المنطقي
القصة الثانية: بردعة من أفخر ملابس الأمير
قصد أحد الشعراء إلى أمير البلدة ومدحه بقصيدة من رقيق الشعر العربي.. وسأل الأمير جلسائه: ماذا يريد هذا الشاعر؟
فقالوا: إنه يريد أن تكسيه بحلّة جميلة، فأمر الأمير بإعطائه بردعة ولجامًا..
وتقدم الشاعر فأخذ البردعة ووضعها فوق ظهره وأمسك اللجام بفمه وسار في الطريق.. وتجمع الناس حوله يسألونه عن هذا الذي صنعه بنفسه! فقال: مدحت الأمير بقصيدة من أحسن شعري، فوضع علي كسوة من أفضل ملابسه!
وضج الناس بالضحك وانطلقوا يتحدثون بالخبر في المدينة حتى شاع وملأ الأسماع.
وعرف الأمير أنه صار سخرية بين الناس، وأن نكتة الشاعر سارت على كل لسان، فأرسل في طلب الشاعر وكساه بأفضل الملابس ومنحه جزيل العطايا وهو يقول: لعلك لا تعود.. فضحك الشاعر قائلًا: لقد كنت أسبق أيها الأمير بالجميل، وإن منطق الشعراء من عطايا الأمراء.
اقرأ أيضًا: كل ما تحتاج معرفته عن الشخصية النرجسية: صفاتها، أنواعها وطريقة التعامل معها
القصة الثالثة: صداقة الدموع
يحكي رجل قصته قائلًا: "كنت مسافرًا.. فانتهيت في الطريق إلى شجرة ظليلة فآثرت أن أستريح في ظلها بعض الوقت.. وإذا بي ألمح شيخًا إلى جوار جذع الشجرة يبكي بكاءً حارًا وعن يمينه كلب ممد على الأرض. وأشفقت على الرجل وأقبلت عليه في لهفة أستطلع شأنه لعلي أستطيع أن أخفف عنه ما به، أو أقوم نحوه بشيء، فلما سألته عن حاله أجابني بصوت متهدج تخنقه العبرات: كلبي! كلبي! إنه صاحبي الوفي إذا ما غدر الأصحاب.. إنني لا أحتمل أن أراه في هذه الحالة الشنيعة.
فقلت: وما بال كلبك يا سيدي؟ وماذا أصابه؟
قال: مسكين! إنه يجود بأنفاسه الأخيرة إنه يموت..
قلت: هل نزل به مكروه؟ هل عقره ذئب؟
فقال: كلا.. ولكنه يموت من الجوع ولا يجد من الزاد ما ينقذ حياته..
فأخذت أواسي الرجل بما حضرني من كلمات العزاء والمواساة، ولكنّي لم ألبث أن لمحت إلى جانب الرجل جرابًا منفوخًا فسألته: وما الذي في هذا الجراب يا أخي؟
فقال: أرغفة أحملها لزادي..
قلت: الويل لك! أتحمل كل هذه الأرغفة ولا تقدم منها ما ينقذ حياة كلبك الوفي العزيز الذي تبكي عليه بالدمع الغزير؟
فحملق في الرجل في دهشة وهو يقول: حقًّا يا سيدي إنه وفي وعزيز جدًا ولكن الصلة الوثيقة بيننا لم تصل إلى باب هذا الجراب"..
اقرأ أيضًا: الشخصية المترددة: أسبابها وكيفية التعامل معها
القصة الرابعة: بعر السويس ولا تمر بلبيس
تدور هذه القصة على أرض مصر في ناحية بلبيس بمحافظة الشرقية حيث يكثر النخيل، وتعدد أصناف التمر والفاكهة- كان يعيش غراب سمين.. تربى على العيش الرغيد والرفاهية وسعة الرزق..
كان يقضي يومه متنقلًا من نخلة إلى نخلة.. قافزًا من غصن إلى غصن.. ينقر ما شاء من الرطب ويتناول ما يشتهي من الفاكهة الناضجة.. ولم يكن من أهل هذه المنطقة سوى السماحة والصبر على إزعاجه ونهبه للثمار، فخيّل له أن كل تلك البساتين وأحراج النخيل كانت ملكًا له وحده يتصرف فيها كما يريد.
وعزم غراب بلبيس على الخروج يوم ما في نزهة طويلة، فانطلق يضرب الهواء بجناحيه صاعدًا وهابطًا حتى أنتهى به المطاف إلى السويس..
وكانت السويس في ذلك العهد مرفًأ صغيرًا قليل العمران، لا يعرف الحركة إلا من العام للعام حيث يستقبل وفود المسلمين المسافرين إلى الأراضي الحجازية لأداء فريضة الحج..
وهناك، رأى هذا الغراب غرابًا آخر أعجف البدن، ناحل الجسم، ذو عظام بارزة من للريش لشدة نحوله وهزاله..
فمال عليه وسأله: كيف حالك؟
قال غراب السويس: هي كما ترى والحمدالله..
قال له: إنك تعيش هنا في مكان قفر.. فمن أين تجد طعامًا؟
قال: من العام للعام تأتي إلى هنا جمال الحجاج والمحمل النبوي.. فتترك في مباركها بعرات أظل طوال العام أنبش فيها لعلي أعثر على حبة قمح أو فول، ومن هذا أجد قوتي وقوام حياتي..
قال له: إنك يا صحابي تعيش في الحرمان، والخير في الدنيا كثير.. ولو أنك خرجت معي من هذه المنطقة لتجد من سعة الرزق ما تحب ومن ألوان العظام ما يملأ عظامك المعروقة باللحم والشحم.
قال غراب السويس: ولكنّي في هذا المكان القفر أعيش حرًا طليقً، لا يرهبني تهديد إنسان ولا يزعجني جبروت مخلوق، والحرية مع الجوع خيرُ من الشبع مع ذل النفس، وهوان العبودية ورهبة الخوف..
فرد عليه غراب بلبيس: ذلك كلام العاجزين الذين يقعدهم العجز عن الوصول إلى ما يرغبونه.. وعندنا هناك في بلبيس من أصناف التمر والفاكهة مالا يوصف.. ومن البساتين وأحراج النخيل مالا يحد، وكل هذا أطويه تحت جناحي.. وإني فيه حر التصرف أتناول منه ما أريد وأشتهي، و إني أدعوك لقضاء أيام في ضيافتي حتى ترى بنفسك الفرق بين ذل الحرمان وعز الرفاهية.
وطار غراب السويس مع صاحبه.. وعاد الغرابان إلى بلبيس.. وكان غراب بلبيس يبدو في كثير من الزهور والخيلاء، فانطلق يطير من نخلة إلى نخلة، وهو ينعق نعيقًا مزعجًا متواصلًا، ويضرب الرطب بمنقاره عابثًا، فيتساقط على الأرض أكوامًا، وقصده أن يظهر لصاحبه ما يتمتع به من السطوة والنفوذ!
وضاق صاحب النخيل بنعيق الغراب المؤذي، وبما يصنع من العبث بالرطب وإتلافه على غير طائل، فقال في نفسه: والله قد تساهلنا مع هذا الغرب فطغى وبغى وخرج عن طوره حتى أصبح حربًا على أرزاقنا، وكنّا نحتمل غرابًا واحدًا فأصبحا غرابين!
ثم مال الرجل إلى الأرض والتقط حجرًا وغافل الغراب العابث وقذفه به، فأصاب منه مقتلًا، وسقط سريعًا لساعته!
ورأى غراب السويس ما حل بصاحبه السمين.. فأسرع يضرب الهواء بجناحيه راجعًا لائذًا بالقفر الذي كان يعيش في وهو يقول: "بعر السويس ولا تمر بلبيس"!
دورة مجانية أونلاين: رواية القصص كجزء من العملية التعليمية طوّر مهاراتك في رواية القصّة لأهداف وأغراض تعليمية مع هذه الدورة المقدّمة من منصّة أليسون. سجل الآن
وفي نهاية المقال, إذا ما تأملت عزيزي القارئ قليلًا في مجريات هذه القصص لوجدت كل المبررات التي تتيح لعلماء الاجتماع واللغة والفنانين ولاسيما علماء النفس من أن يعتمدوا على هذا التراث القصصي ليتخذون منه نقطًا مرجعية في اختصاصاتهم وفي ما يطرحون من فلسفات ودراسات ونظريات. نتمنى أن تكون هذه المقالة قد جادت عليكم بوقت ممتع وبإثراء معلوماتي ولو كان بسيطًا.
المصدر: كتاب الحدوتة والحكاية في التراث القصصي الشعبي
اقرأ أيضًا:قصص نجاح ملهمة لشخصيات مشهورة
اقرأ أيضًا: ماذا تعرف عن الخوارزمي وما هي أشهر أقواله وحكمه؟
اقرأ أيضًا: ما الذي تعرفه عن الفلسفة؟ | تاريخ و نشأة الفلسفة