عادات رمضانية عند الشعوب العربية والإسلامية | عادات شعبية في رمضان
لا شكّ أنّ شهر رمضان الكريم يحمل أهميَّة كبيرة بالنسبة للمسلمين في جميع أنحاء العالم، فهو شهر العبادات والتقرّب إلى الله والسلام النفسي والروحي والتضامن المُجتمعي. وعلاوةً على الجانب الديني الذي يحمله هذا الشهر المُبارك، فإنّه يُشكّل كذلك حياة منسوجة بعادات مُتنوِّعة لدى جميع الشعوب العربيّة والإسلاميّة، التي يتميّز كُلّ منها ببعض التقاليد الخاصّة التي لا تظهر إلا في شهر رمضان.
هل ترغب في اكتشاف معلومات جديدة كل يوم؟ اكتسب ثقافة عامة عن الحياة واكتشف معلومات ثقافية جديدة في كلّ يوم من خلال مقالاتنا المميزة والممتعة. تصفّحها الآن
وتتنوَّع العادات الرمضانية في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي، من ولائم الإفطار الفاخرة التي تجمع العائلات والأصدقاء معًا إلى الليالي النابضة بالحياة والمليئة بالصلاة والتراويح وحلقات الذكر جنبًا إلى جنب مع السهر وقضاء الوقت المُمتع، ممّا يعكس التراث والتقاليد الفريدة لكل بلد.
علاوةً على ذلك، تمتدّ عادات رمضان إلى ما هو أبعد من مُجرّد مظاهر وتقاليد في الثقافة الشعبيّة، حيث يشمل هذا الشهر الكثير من أعمال الخير والرحمة والكرم. إنَّه الوقت الَّذي يتمّ فيه تشجيع المسلمين على تعميق علاقتهم بالله من خلال زيادة أعمال العبادة، والتدبّر في القرآن، والمشاركة في الأعمال الخيريّة.
من الشوارع الصاخبة المُزيَّنة بالزخارف الملونة إلى الآذان الذي يتردد صداه في الشوارع، يُغيِّر شهر رمضان نسيج الحياة اليوميَّة، ويغرس فيها الروحانيَّة والترابط الاجتماعي. في هذا المقال، نبدأ رحلة استكشافيّة سريعة نتعرّف فيها على بعض أهم العادات والتقاليد التي تُميّز شهر رمضان في المُجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة.
اقرأ أيضًا: كيف تطور ذاتك وتزيد من إنتاجيتك في رمضان؟
عادات الشعوب العربية والإسلامية في رمضان
مع حلول شهر رمضان المُبارك، تُضاء المساجد، وتُعلَّق المصابيح على مداخلها، وتُزيّن الشوارع، وتعم البهجة في كل مكان. فالعديد من التقاليد التي تُمارَس خلال شهر رمضان الكريم منذ الفتح الإسلامي حتّى يومنا هذا لا تزال حيَّة، حتّى لو اختلفت بعض الشيء أو تغيّرت صورتها على مرّ السنين. وفيما يلي أهم هذه العادات الرمضانية:
1- دوي مدفع الإفطار
دوي مدفع الإفطار هو صوت يتم إصداره من خلال مدفع حربي في بعض البلدان الإسلاميّة عند أذان المغرب ليعلن بذلك نهاية الصيام وبداية موعد الإفطار بعد غروب الشمس خلال شهر رمضان المُبارك. هناك روايات مُتضاربة حول أصل هذا الطقس الرمضاني، على الرغم من أنّ جميع هذه الروايات تُشير إلى القاهرة عاصمة مصر.
تشير أهم رواية في هذه الروايات أنّ أحد سلاطين المماليك في القرن الخامس عشر اختبر مدفعًا تمّ إهداؤه له، وأطلقه عند غروب الشمس خلال شهر رمضان. ويُقال أنّ سكان القاهرة افترضوا أن ذلك كان رنينًا مُتعمَّدًا للإفطار. وبعد رؤية رد فعل الجمهور على هذا العمل المفاجئ، أمر السلطان بإطلاق قذيفة كل يوم عند غروب الشمس بمُناسبة الإفطار.
تصفَّح المزيد: أفضل نظام غذائي صحي في رمضان | نصائح لتغذية سليمة
تمّ استخدام طلقة المدفع حتّى عام 1859، ولكن تم استبدالها بعد ذلك بطلقات فارغة نظرًا لأنّ بعض المُدن تكون مُكتظّة بالسُكّان وقد تُشكّل القذيفة الحقيقيّة خطرًا على أرواح الناس.
انتقل هذا التقليد بعد ذلك إلى بلاد الشام أولاً، ثم إلى بغداد بحلول نهاية القرن التاسع عشر، ووصل في النهاية إلى دول الخليج وشمال أفريقيا. وعلى الرّغم من أنّ هذا الأمر أصبح غير مُفيد في الوقت الحالي، حيث يعتمد الكثير من الناس على الساعات لتحديد أوقات الصلاة والإفطار، إلّا أنّه قد لا يزال يتم القيام به في بعض الثقافات العربيّة والإسلاميّة كنوع من أنواع التراث أو التقاليد.
اقرأ أيضًا: تعلم كيفية تنظيم وقتك في رمضان لتحقيق أكبر استفادة ممكنة!
2- زينة رمضان
لطالما كانت الفوانيس من أهم مظاهر شهر رمضان لعدّة قرون وما زالت، حيث يتمّ تعليقها في الشوارع إيذانًا ببدء الشهر الكريم وإضفاء لروح البهجة على الجميع. وأهمّ ما يُميّز هذه الفوانيس هو ظهور الهلال والنجمة بشكلٍ بارز في الزخارف، وهما من الرموز الإسلاميّة الهامّة.
وعلى الرّغم من تغيّر شكل الحياة خلال نهار شهر رمضان بشكلٍ جذري مع امتناع المسلمين عن الطعام والشراب منذ الفجر حتّى غروب الشمس، تتميَّز ليالي رمضان بطابع مُبهج وحالة من السعادة تسود الأجواء، حيث تخلق الزخارف والفوانيس والأضواء أجواءً احتفاليّة لا توصف.
ولكل دولة أسلوبها الخاص في تعليق زينة شهر رمضان، فعلى سبيل المثال تُزيّن شوارع القاهرة بالأقمشة المُلوَّنة والمصابيح والفوانيس، بينما في دول شمال أفريقيا، تُهيمن تصاميم الأرابيسك. وفي دول الخليج، تتدلّى الأضواء المُلوّنة وزخارف النجوم الثمانية والأهلَّة من أسقف مراكز التسوّق وأعمدة الإنارة.
في حين أنَّ شهر رمضان ليس له ألوان رسميَّة، إلّا أن الألوان الأخضر والأصفر والبنفسجي والفيروزي - وهي الألوان التي تُمثِّل السلام والروحانيَّة - شائعة الاستخدام في زينة رمضان.
اقرأ أيضًا: أجمل أذكار الصباح والمساء
3- المسحَّراتي
قبل أن يظهر اختراع المُنبّه، كان الناس يعتمدون على المسحّراتي في الاستيقاظ للسحور، وبالرغم من عدم الحاجة إليه الآن إلّا أنّ هذا التقليد لا يزال قائمًا إلى اليوم. خلال شهر رمضان، يقوم المُسحَّراتي بالسير في الشوارع لإيقاظ المُسلمين لتناول السحور من خلال العزف على الفلوت أو قرع الطبل.
ويعود أصل هذا التقليد إلى المسحراتي الأوّل في التاريخ الإسلامي عتبة بن إسحاق، حاكم مصر في القرن السابع، حيث كان يمشي في شوارع القاهرة ليلاً وهو ينادي: "يا عباد الله، تسحَّروا، فإنَّ في السحور بركة".
ومع الوقت انتشرت هذه الظاهرة أو المهنة إلى بلدان أخرى في العالم الإسلامي، تحت أسماء وألحان مُختلفة. في المغرب، النفّار ينفُخ في البوق لإيقاظ الناس. وفي اليمن، يطرق المُسحّراتي بابًا بابًا في الحي السكني الذي يعمل فيه. وفي مصر، يُطّبل المسحرّاتي على طبلةٍ ضخمة لتوقظ أهل البيوت في الشارع الذي يمرّ فيه.
أما في بلاد الشام، لقي هذا الدور رواجًا كبيرًا لدرجة أنَّ كل حي كان له المسحراتي الخاص به ليجوب الشوارع، ويقرع الطبول وينادي السُكّان: “قوموا أيها النائمون، لا إله إلا الله الدائم”.
إليك المزيد: من أجمل صور التكاتف والعطاء في شهر رمضان | أعمال الخير في رمضان
4- موائد الرحمن
لا يوجد أفضل من موائد الرحمن التي تُقام في معظم الدول العربيّة والإسلاميّة لتمثيل فكرة الأخوّة والترابط والتراحم. فالرحمة والتعاطف مع الفقراء أو أولئك الذين لديهم موارد أقل هو مبدأ أساسي يتم تعلُّمه من الصيام.
ففي مصر تقام الموائد الخيريّة في مُختلف الأحياء السكنيّة، حيث يتكاتف الجميع للمُساهمة بالطعام أو الموائد، أو المساعدة في تنظيم المائدة. وفي المملكة العربية السعوديّة، تُقام الولائم الفخمة في ساحات المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة المنورة. وفي دولة الإمارات العربية المُتِّحدة، يتم وضع طاولات مؤقتة مليئة بالطعام في باحات المساجد والخيام الرمضانيّة، حيث يتم تنظيمها من قبل الجمعيات الخيريّة ويتم تمويلها من قبل أفراد المُجتمع.
إليك الآن: من أشهر المسلسلات التي يمكنك مشاهدتها في رمضان
5- الأطعمة الرمضانيّة
لعلّ أهم ما يُميّز شهر رمضان عن باقي الشعور في العادات العربيّة والإسلاميّة هو وجود أنواع مُعيّنة من الطعام والأطباق الفاخرة التي تملأ الموائد والتي قد لا تكون مُنتشرة في باقي شهور السنة. قد تكون بعض أسماء الأطباق مُتشابهة عبر البلدان، على الرغم من أنَّ الوصفات أو المُكوِّنات قد تختلف.
يتمثَّل هذا الأمر في الطلب المتزايد على بعض الأطعمة مثل السمبوسة، والفتّة، والكنافة وغيرها، حيث يشتري الناس هذه الأطعمة بكميات أكبر خلال شهر رمضان لتناولها خلال وجبات الإفطار. يرجع ذلك جزئيًّا إلى الشعور بالرغبة في تناول الأطعمة التقليديَّة التي تعكس جو الاحتفال والتراث خلال هذا الشهر الخاص.
بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر بعض الأطعمة الخاصَّة برمضان جزءًا من الروتين اليومي للعائلات خلال هذا الشهر، حيث يتم تحضيرها بشكل خاص وتقديمها على الإفطار والسحور ممّا يجعلها ظاهرة مُميَّزة في البلدان العربية خلال شهر رمضان. ولا شكّ أنّ التمر هو عنصر أساسي على كل مائدة عربيّة، حيث كان من سنن النبي محمد صلى الله عليه وسلّم الإفطار على التمر والماء، وقد اتَّبع المسلمون هذه السّنّة منذ زمن النبي وحتى يومنا هذا.
وعلى رأس الأطعمة الرمضانيّة تأتي الحلويّات الشرقيّة، حيث استمتع المسلمون لقرونٍ عديدة بحلويّات تقليدية خاصةً خلال شهر رمضان المبارك، بما في ذلك الشباكية وهي كعكة مغربيّة مصنوعة من العسل والسمسم، واللقيمات وهي كرات الدونات المقلية المحلاة بالعسل أو دبس التمر مع رشة من السمسم، والقطايف وهي فطيرة محشوة بالكريمة أو المكسرات، ثم تقلى وتحلى بالعسل وغير ذلك الكثير.
6- الزيارات العائليّة ودعوات الطعام
تُعتبر الزيارات العائليّة جزءًا مُهمًا من تقاليد الشهر الفضيل في العديد من الثقافات العربيّة والإسلاميّة، حيث يُعتبر هذا النوع من الزيارات فرصة لتقوية الروابط العائليّة وتعزيز التواصل بين الأقارب والأصدقاء، كما يُعتبر تبادل الطعام والضيافة جزءًا أساسيًا من تجربة رمضان. وفي بعض التقاليد، يتم تخصيص إفطار كل يوم في رمضان في منزل أحد أفراد العائلة بدءًا من منزل أكبر أفراد العائلة، ثم يتم التناوب على باقي الأسر.
تُعد هذه الزيارات بمثابة جوهر الدين الإسلامي، الذي يدعو إلى التآلف والتراحم ووصل الرحم، ولا يوجد مناسبة أفضل من شهر رمضان للقيام بهذا.
7- سهرات رمضان
في شهر رمضان، تأخذ السهرات طابعًا خاصّا ومميزًا، حيث يتجمع الناس لقضاء الوقت معًا بعد صلاة التراويح وحتى ساعات الفجر. تُعدّ السهرات جزءًا لا يتجزأ من تجربة رمضان في العديد من البلدان العربيَّة والإسلاميَّة، وتعكس روح الترابط الاجتماعي. وتختلف هذه السهرات بين العديد من الثقافات العربيّة بل وبين أفراد المُجتمع الواحد، حيث تتضمَّن مجموعة مختلفة من الأنشطة والفعاليّات. على سبيل المثال، قد تشمل السهرات قراءة القرآن الكريم، والمشاركة في الأنشطة الدينيّة مثل الذكر والدعاء، أو الخروج لتناول الطعام والاستمتاع بالمأكولات المُعدّة خصيصًا لشهر رمضان ثم تناول السحور والعودة إلى المنزل.
استكشف عالم البودكاست! ابدأ بتعلم البودكاست من خلال مقالاتنا المميَّزة، ستجِد هنا معنى البودكاست وتطبيقاته، كما سنُقدِّم لك شروحات لـ فيديوهات بودكاست بالعربي. تعلم البودكاست!
ختامًا، إنَّ أهمية شهر رمضان والقيم الدينيّة والروحانيّة التي يُجسدها تتجلّى في مدى السعادة التي نشعر بها عند اقترابه والعادات والتقاليد الرمضانيّة التي ننتظر بفارغ الصبر لنقوم بها احتفالًا بزيارة الشهر الكريم. وتُعتبر العادات الرمضانيَّة موروثًا ثقافيًّا عميقًا، وهي تُجسِّد تراثًا غنيًا امتد على مدار مئات السنين.
وفي نهاية هذه الرحلة المُمتعة لاستكشاف أهم العادات الرمضانية لدى الشعوب العربية والإسلامية، نُدرك أن هذا الشهر المبارك يمثل أكثر من مُجرَّد فترة صيام وامتناع عن الطعام والشراب، إنَّه وقت لتهدئة الروح، وللتقرُّب من الله بالصلاة والقرآن والذكر، كما أنّه فرصة لتعزيز قيم الصبر والتعاطُف والتسامُح، ولبناء العلاقات الاجتماعية وتعزيز الروابط بين أفراد المُجتمع.
ومع اقتراب حلول الشهر المُعظّم، من الضروري التفكير في الروحانيّات والقيم التي يحملها وكيف يُمكن تطبيقها طوال العام لتحسين أنفسنا وعلاقاتنا مع الله ومع الآخرين. وإلى كل متابعينا من جميع أنحاء الوطن العربي، أخبرونا عن أهمّ التقاليد والمظاهر الرمضانيّة في بلدكم، ولا تنسوا الاشتراك في موقع فرصة ليصلكم كل ما هو جديد من مقالاتنا المُفيدة والمُمتعة!
رمضان كريم!
اقرأ أيضًا: تعرف على أنواع الخطوط العربية وأشكالها
اقرأ أيضًا: أفضل المواقع لتحميل الكتب والروايات العربية والعالمية
اقرأ أيضًا: بيئة العمل في المستقبل: كيف ستبدو مكاتبنا بعد 10 سنوات؟
المصدر: nationalgeographic