المنافسة في العمل: مميزاتها وسلبياتها
تعدّ المنافسة بين الموظفين في مكان العمل جزءًا أساسيًا من حياة الكثيرين، سواءً كانت علنية أو سريّة. فمعظم الشركات تخلق بيئات ديناميكية تشجّع الموظفين على التنافس فيما بينهم بهدف الحصول على الاعتراف بكفاءاتهم أو من أجل المكافآت المالية الترقيات.
فهل المنافسة في مكان العمل أمر محبّب حقًا؟ هل لها جوانب سلبية مثلاً؟ وكيف يمكنك أن ترفع روح المنافسة النزيهة لديك؟
لمعرفة الإجابة عن هذه الأسئلة، واصل قراءة المقال حتّى النهاية!
متى تكون المنافسة محببّة في مكان العمل؟
في المجتمعات الغربية، يُنظر للمنافسة على أنّها قوّة دفع إيجابية، تساعدنا على تحقيق إنتاجية أعلى من تلك التي نحققها عند العمل في بيئات غير تنافسية. وأظهرت عدّة دراسات أجريت في هذا المجال أنّ المنافسة النزيهة تعمل كحافز يدفع الفرد لبذل مزيد من الجهد في أداء مهامّه، وتمنحه شعورًا أكبر بالسعادة ليحقّق أداءً أفضل في عمله.
ويمكن تلخيص إيجابيات المنافسة النزيهة في أماكن العمل فيما يلي:
- زيادة التصميم على مواجهة التحديات مع احترام القوانين والقواعد العامّة للشركة أو المؤسسة.
- الشعور بالرضا عن جودة الأداء حتى في حال الخسارة.
- خلق رغبة مستدامة في التميّز والتحسّن بدلاً من التركيز على السلطة أو المرتبة.
- تراجع التركيز على إرضاء رؤساء العمل والعمل بدلاً من ذلك على تحقيق الرضى النفسي.
عندما تؤدي المنافسة بين الموظفين إلى تحقيق الأمور السابقة، تكون حينها أمرًا إيجابيًا محببًا ينصح به، وتشجّع عليه الشركات والمؤسسات على اختلافها.
اقرأ أيضًا:الفكاهة في أماكن العمل: أهميتها وفوائدها
متى تكون المنافسة في أماكن العمل مؤذية؟
كما تحدّثنا عن المنافسة بصفتها قوّة دافعة وتقنية للتحفيز وزيادة الإنتاجية، لابدّ لنا أيضًا من التطرّق للحديث عمّا يمكن أن تفعله لتدمير الحماس والقضاء على الحافز.
الفوضى، الضغط النفسي، الخوف من الفشل، تحديد عملك بمجموعة من القوانين والشروط، وانعدام الرغبة في المنافسة نظرًا لصعوبة الفوز، جميعها تعدّ أمثلة عن الضغوطات والمشاعر التي تترافق مع المنافسة. بالإضافة إلى سلبيات أخرى تتمثّل في:
- انعدام الأمان النفسي.
- الحاجة الملحّة والمستمرّة للفوز مهما كان الثمن.
- الاستمرار في التنافس حتى بعد انتهاء المنافسة.
- البحث عن التنافس حتى في البيئات أو المواقف التي لا تتطلّب ذلك، ولا تحبّذه.
- رفض الخسارة، وبالتالي الغش والخداع من أجل الفوز.
إن كانت المنافسة تؤدي إلى خلق مثل هذه المشاعر لدى الموظفين، فقد أصبحت في هذه الحالة أمرًا مؤذيًا وسببًا في تراجع الإنتاجية وتدني الأداء.
وهنا قد تتساءل: كيف أحدّد ما إذا كانت المنافسة في عملي إيجابية أم سلبية؟ وكيف يمكنني التفريق بين الحالتين؟
في واقع الأمر هنالك مجموعة كاملة من الأسباب الفيزيولوجية العصبية التي تحدّد ردّة فعل الأشخاص تجاه المنافسة. فالبعض يزدهر ويتألق في ظلّ المنافسة الشديدة في مكان العمل، في حين ينهار البعض الآخر تحت وطأة الضغط على الرغم من خبرتهم ومهاراتهم. وعبارة "التحدّي" التي قد تحمّس عددًا من الموظفين لرفع أدائهم، قد تكون سببًا في تثبيط البعض الآخر وتراجعهم إن هي ارتبطت بالمنافسة.
وبالإضافة إلى كلّ ما سبق، لابدّ من التنويه إلى أنّ منافع المنافسة التي ينجذب لها البعض، لا تدوم إلى الأبد. ذلك أنّ المنافسة في جوهرها تعتمد على المكافآت الخارجية لتحفيز الأشخاص (مثل الجوائز النقدية، العلاوات، أو الترقيات)، بعكس التحفيز الداخلي الذي ينبع من قلب الفرد نفسه (كالرضى عن الذات، والسعي للتطور الشخصي)، والذي يستطيع كلّ واحد منّا تجديده وشحنه بين حين وآخر.
لذا فمعرفة ما إذا كانت المنافسة أمرًا إيجابيًا أو سلبيًا، تختلف من شخص لآخر حسب طبيعة كلّ شخص وسماته الشخصية، وهنا قد يساعدك اختبار تحليل الشخصية من موقع فرصة في التعرّف على ميولك ومدى تقبّلك للبيئات التنافسية أم لا.
كيف تصبح شخصًا تنافسيًا في عملك؟
تحثّ معظم الشركات وبيئات العمل موظّفيها على أن يكونوا تنافسيين ويقدّموا أفضل ما لديهم لتحقيق المزيد من النجاح والتطوّر للشركة. بل إنّ امتلاك روح تنافسية عالية أصبح في بعض الشركات متطلّبًا أساسيًا، خاصة في مجالات التسويق والمبيعات. فكيف يمكنك أن تصبح تنافسيًا، وكيف تستطيع تدريب نفسك على التأقلم في بيئات العمل التنافسية؟
فيما يلي بعض الخطوات التي تساعدك في تحقيق ذلك:
1- تنافس مع نفسك
هنالك طريقة مضمونة تجعلك تبذل جهدًا مضاعفًا في عملك. وهي لا تتمثّل في التنافس مع شخص آخر في الشركة، وإنّما مع نفسك! تذكّر للحظة أهمّ إنجازاتك السابقة، وحاول أن تفكّر في طريقة لتحقّق إنجازًا أفضل.
ألقِ نظرة على مشروع عملت عليه وكنت فخورًا به للغاية، أو تذكّر لحظات عملت فيها بجنون وفكّر في كيفية تجاوز هذا الإنجاز وتحقيق ما هو أعظم منه. ببساطة، كنت أنت مُنافسك الأول.
2- تذكّر: الأمر لا يتعلّق بالفوز وإنما بتقديم أفضل ما عندك
عندما تراودك الرغبة في التغلّب على تحدٍّ جديد فقط لأنّ زميلك أو صديقك نجح في أمر ما، سارع على الفور للتخلّص من هذه المشاعر بالتركيز على النموّ والتطوّر في عملك بدلاً من التفكير في الفوز والتقدّم على هذا الشخص وحسب. فكّر في الطريقة التي يمكن لهذا التحدّي أن يساعدك بها على أداء عمل أفضل في وظيفتك. وما يمكن لهذا المشروع الجديد أن يساهم به في تطوير مسيرتك المهنية، وركّز بعدها على تقديم أفضل ما عندك لتحقيق هذا الأمر بغضّ النظر عن النتيجة النهائية.
3- اجعل من المنافسة وسيلة لخوض المخاطرة
بدلاً من استغلال المنافسة للتقدّم على أحدهم أو الظهور بمظهر أفضل منه أمام مديرك، اجعلها طريقة للخروج من منطقة الراحة الخاصّة بك. عندما ترى أنّ زميلك في العمل خاض تحدّيًا أو قام بخطوة جريئة في العمل، وأسفر ذلك عن نتائج إيجابية، استفد من ذلك واجعل من المنافسة وسيلة لتحفيزك على مجابهة مخاوفك أنت أيضًا والتقدّم نحو الأمام.
اقرأ أيضًا: امور عليك القيام بها قبل بلوغ سن الـ 30
4- ابحث عن مواضع الاختلاف بينك وبين منافسيك
إحدى الطرق الرائعة التي تسهم في رفع الروح التنافسية لديك تكمن في ملاحظة مواضع الاختلاف بينكم وبين منافسيك أو الأشخاص الذين تعتبرهم قدوة لك. بهذه الطريقة تستطيع شحذ مهاراتك الخاصة التي لا يمتلكها منافسك ومن ثمّ التقدّم إلى الأمام دون سرقة نجاحه. يمكنكما في هذه الحالة أن تقوما بنفس الوظيفة، ولكن كلّ منكما يبرع في مجالات معيّنة، ويضفي للشركة قيمة مختلفة عن الآخر.
تقول ليندساي كروس، وهي خبيرة في مجال التوظيف والتطور الوظيفي: "اعثر على ما يجعلك مختلفًا عن زميلك في العمل...واكتشف الجوانب التي تجعلك ذا أهمية كُبرى للشركة التي تعمل فيها، والتي يعاني الآخرون فيها، ثمّ اجعل هدفك أن تتطوّر قدر الإمكان في هذا الجانب. سيلحظ زملاؤك هذا التطوّر، وستصبح بعد بعض الوقت الخبير الذي يلجأ إليه الجميع!"
5- استفد من روحك التنافسية في التعلّم من الآخرين
بدلاً من السعي العقيم لإزاحة منافسك عن المرتبة الأولى، استعن بروحك التنافسية ورغبتك الجامحة في التحسّن لتتعلّم منه!
راقب ما يفعله وما يقوم به من عادات تجعله ذا أهمية كبرى للشركة، وموظفًا متحمّسًا صاحب مكانة عالية لدى صاحب العمل. ثمّ فكّر في كيفية استخدام هذه العادات بطريقة مشابهة تضمن لك تحقيق ما يحققه من نجاح.
ربما يمتلك مهارات تنظيم وإدارة الوقت بشكل فعّال، وقد يكون صاحب مهارة مميزة في التفكير الإبداعي والخروج بالأفكار الجديدة. لعلّه يأخذ دروسًا أو يسجّل في دورات تضمن له تطوير نفسه وقدراته على الدوام.
ابحث عمّا يفعله منافسك هذا، وطبّق ما تراه مناسبًا منها لتحسّن من نفسك.
6- اجعل المنافسة طريقة للتعاون
إن كان الهدف الرئيسي من المنافسة النزيهة هو تطوير المتنافسين ودفعهم لتحقيق أداء أفضل، فلماذا إذن لا تتعاون مع زميل لك ليدفع كلّ منكما الآخر ويحفّزه لتقديم أفضل ما عنده. يمكنكما العمل معًا على مشروع واحد، أو الاجتماع معًا لتشارك منهجيات العمل. أو ببساطة احتساء كوب من القهوة وتبادل الخبرات والنصائح.
في النهاية يبقى امتلاك صديق يدفعك للأمام ويشجّعك على الدوام أفضل من منافس يشعرك في كلّ مرّة تراه فيها بأنّك تفتقر لمهارات النجاح اللازمة.
ممّا سبق، نستنتج أنّ المنافسة ليست أمرًا سيئًا على الدوام. فرؤية زميل لك في العمل يتقدّم إلى الأمام قد يشعل فيك الحماس اللازم لتفجّر طاقاتك الكامنة أنت أيضًا. والرغبة في التطوّر والتحسّن في العمل لا تعني بالضرورة أنّك غير سعيد بما أنت عليه الآن، أو أنّ عملك ليس مُرضيًا، وإنما هو سير الحياة الطبيعي، فالكمال مستحيل غير أنّ السعي للوصول إليه أمر مشروع ومستحبّ في مختلف مجالات الحياة.
أخبرونا إذن، هل أنتم من الشخصيات التي تستمتع بالمنافسة في العمل أو الدراسة؟ وهل كان لروح التنافس أيّ أثر إيجابي على مسيرتكم المهنية والأكاديمية؟
شاركونا آرائكم من خلال التعليقات، ولا تنسوا التسجيل في موقعنا ليصلكم كلّ جديد.
المصادر: bustle، hbr، memory.ai
اقرأ أيضًا: كيف أكتب المهارات الشخصية في السيرة الذاتية؟
اقرأ أيضًا: مهارات العمل تحت الضغط: ما هي وكيف تكتسبها؟